الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَٰرَهُمْ كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَٰرِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

{ يَكَادُ الْبَرْقُ } المعهود فى الآية قبل { يَخْطَفُ أَبْصَٰرَهُمْ } أبصار أهل الصيب، يقرب أن يأخذها بسرعة، وإسناد الخطف إلى البرق مجاز للسببية ونفى كاد نفى، وإثباتها إثبات كسائر الأفعال، وغير هذا تخليط، وإذا قلت، كاد يقوم فمعناه قرب، وإذا قلت، لم يكد يقوم فمعناه لم يقرب، وإذا قيل، لم يكد يقوم مع أنه قام فمعناه أنه لم يقرب للقيام، ثم قرب وقام { كُلَّمَا أَضَاءَ } ظهر البرق أو أظهر البرق الطريق { لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِ } يمشون فى ضوئه كل إضاءة أى كل وقت إضاءة، أو فى الطريق المدلول عليه بالشىء، كما قدر بعض، كلما أضاء لهم ممشى مشوا فيه، وذلك أن المشى فى مطرح البرق لا فى البرق، والهاء للبرق، وكل ظرف لإضافته إلى المصدر المنسبك بما المصدرية المستعمل ظرفاً، كجئت طلوع الشمس، ويجوز أن يكون لازماً بمعنى وقع، كما فسرته أولا، كلما لمع مشوا فى مطرح ضوئه { وَإِذَا أَظْلَمَ } الطريق المسدود عليه، أو أظلم البرق، أى زال، أو الجو { عَلَيهِمْ قَامُوا } أمسكوا عن الشىء { وَلَوْ شَاءَ اللهُ } أى لو شاء إذهاب أسماعهم وأبصارهم { لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ } أى بسمع المنافقين، الإضاءة للحقيقة أو الاستغراق، وكأنه قيل، بأسماعهم، كما قال { وَأَبْصَٰرِهِمْ } عيون المنافقين الظاهرة كما ذهب ببصائر قلوبهم الباطنة فلا تقبل الحق، ويجوز عود الهاءين لأصحاب الصيب، لأن بصائرهم ولو كانت لا تعمى بالظلمات لكن المراد التنوية للصيب وشأنه المشبه بهما حال المنافقين، فإن تقويتهما تقوية لحالهم فى الهول، فيكون شبههم بالمستوقد، ثم بالصيب الموصوف بما ذكر، وبأنه لولا أن الله حفظ سمع أهله وأبصارهم لذهبت بالبرق والرعد، ومشيهم فى البرق تشبيه لميلهم إلى بلاغة القرآن، وصدقه، ووعده بالخير، وإمساكهم عن المشى عند ذهاب البرق، وتشبيه لوقوفهم عما يكرهون من تسفيه دينهم، ورفض آلهتهم، والمشيئة والإرادة بمعنى، ولا يصح ما قيل إن أصل لمشيئة لإيجاد واستعمل بمعنى الإرادة، والباء للتعدية، أى أذهب أسماعهم، وقيل، ذهبت بكذا ذهبت معه، وإذا لم يذهب فللتعدية، أو مجاز فى المعية { إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } أى على كل شىء ممكن وأما المستحيل فى حقه، كاتخاذ الصاحبة والولد فلا تقل هو قادر عليه، لأن الاتصاف بالقدرة عليه اتصاف بجوازه، ولا غير قادر عليه، لأن هذه صبغه عجز، تعالى عنها، ولأنها فرع عن تقرره هكذا فى الجملة، وهو غير متقرر، تعالى عنه، أو المعنى على كل شىء شاءه هؤلاء لا يرده عما أراد وقوعه، ومع ذلك هو قادر على إيقاع لم يسبق قضاؤه بوقوعه من الممكنات إجماعا، وما لم يكن ولا يكون لا يسمى شيئاً، ونسبه بعض أصحابنا، وقيل شىء، وهو الصحيح عندى، وأما المستحيل فلا يسمى شيئاً، والآية ونحوها من الآى والحديث تدل على جوازه فى كل معلوم ممكن، ويطلق على المحال بمعنى ملاحظته، ولا يقال قادر عليه ولا غير قادر، ومعنى: وقد خلقك من قبل ولم تك شيئاً: لم تكن شيئاً موجوداً، بل شيئاً معدوماً.