الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ ٱلصِّيَامِ ٱلرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَٱلآنَ بَٰشِرُوهُنَّ وَٱبْتَغُواْ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلْخَيْطُ ٱلأَبْيَضُ مِنَ ٱلْخَيْطِ ٱلأَسْوَدِ مِنَ ٱلْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ ٱلصِّيَامَ إِلَى ٱلَّليْلِ وَلاَ تُبَٰشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَٰكِفُونَ فِي ٱلْمَسَٰجِدِ تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ ءَايَٰتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ }

{ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ } حقيقة ليالى الصوم، وأضيفت للصوم مع أنه لا صوم فى الليل بل النهار، لاتصالها بنهارها بعدها، ولأن نية الصوم فى الليل، أو باعتبار ما قبل نزول هذه الآية من وجوب صوم ما بقى من الليل بعد صلاة العشاء، أو النوم وهو متعلق بقوله { الرَّفَثُ } ولو كان منحلا إلى حرف المصدر والفعل للتوسع فى الظروف، لا بأحل، لأن نزول الإحلال ليس فى ليلة رفث مخصوصة ولا كل ليلة رفث إلا بتأويل به أثبت لكم كل ليلة الرفث، أى يوقع ثبوته فى كل ليلة وهو بمعنى الجماع وعدى بإلى كما قال { إِلَى نِسَآئِكُمْ } لتضمنه معنى الإفضاء المستعمل مع النساء غالبا، بمعنى الجماع، وهو جمع نسوة، أو لا مفرد له، يقال أفضى إلى امرأته أى جامعها، قال وقد أفضى بعضهم إلى بعض { هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ } يمنع كل من الزوجين الآخر من الزنا بالفرج والعين والقلب واللسان واليد والرجل، والإمناء باليد، وبكونه فيه كفاية للآخر كما يمنع الثوب انكشاف العورة وبقية من حر جهنم وبردها كما يمنع الثوب الحر والبرد عن البدن، ويحتاج كل للآخر، كما يحتاج للثوب، ويخالط كل الآخر بالالتصاق كالثوب مع البدن، قال صلى الله عليه وسلم: " من تزوج فقد أحرز ثلثى دينه " وقدم كونهن لباساً لأنهم أشد احتياجاً إليهن، لأنهم أقل صبراً عن الجماع منهن، وهن أشد حباً للجماع إلا أنهن أكثر صبراً وأشد حياء، قال صلى الله عليه وسلم: " لا خير فى النساء ولا صبر عنهن يغلبن كريماً، ويغلبهن لئيم، وأحب أن أكون كريماً مغلوباً ولا أحب أن أكون لئيماً غالباً " { عَلِمَ اللهُ أَنَكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَّ } أوكد من تخونون، لأن من معانى افتعل العلاج والمبالغة ولكثرة الحروف، والمعنى تعرضون للعقاب وحرمان الثواب { أَنْفُسَكُمْ } بالجماع بعد النوم، أو بعد صلاة العشاء، وقد حرم ذلك ليلة الصوم، والمعنى تختانون أنفسكم فى الجملة طبعا لا فى خصوص الجماع وقت تحريمه، بل هذا داخل فى الجملة، ولهذا قال، كنتم، ويحتمل أن يريد خصوص ذلك لجماع، أخبر الله بعد وقوعه أنه عالم به حين كان، وذلك أن عمر وكعب بن مالك وغيرهما جامعوا وقت لا يجوز وهو ما بعد أن ينام، فإذا نام حرم عليه الجماع والأكل والشرب إلى الليلة التى بعد، وقد سمر عمر عنده صلى الله عليه وسلم ووجد رائحة طيبة عند زوجه، وقالت قد نمت، وقال ما نمت، واعتذروا للنبى صلى الله عليه وسلم فنزل، أحل لكم ليلة الصيام الآية { فَتَابَ عَلَيْكُمْ } تبتم من هذه الكبيرة، أو تبتم فتاب عليكم، أى قبل توبتكم، قال عمر: يا رسول الله أعتذر إلى الله وإليك من هذه الخطيئة أنى رحت إلى أهلى بعد ما صليت العشاء فوجدت رائحة طيبة فسولت لى نفسى فجامعتها، وهذه توبة، وكلهم تابوا { وَعَفَا عَنْكُمْ } أزال غفر لكم ما فعلتم { فَالْئَٰنَ } اسم الإشارة ظرف زمان مبنى موضوع على أل، وقيل أل للحضور وهى الفيدة له، ويقال أصله أن فعلا ماضيا بمعنى حضرتم جعل اسما، وهو ظرف بمعنى الزمان الحاضر إلى قيام الساعة، أى باشروهن فى الزمان كله متى شئتم بعد ما أبحت لكم فصح أن يعلق بقوله { بَٰشِرُوهُنَّ } فليس اسما لوقت النزول فقط لأن وقت النزول انقطع، والأمر لما بعد، أو يقال معنى باشروهن أبحنا لكم مباشرتهن بعد الحظر، فيكون الآن لوقت النزول على هذا الوجه، وعبرهما بالمباشرة عن الجماع وهنالك بالرفث، لأنه هنا حلال بخلافه هنالك، فإنه فعل محرم قبيح، وسمى مباشرة لأن فيه إلصاق البشرة أى الجلدة بالجلدة غالبا، بل لو لم يكن إلا فرج فى فرج ففيه مس جلد الفرج بجلد الفرج { وَابْتَغُواْ } اطلبوا { مَا كَتَبَ } فى اللوح المحفوظ أو قدره { اللهُ لَكُمْ } معشر المسلمين من الولد إجمالا، إذ ليس لكل فرد ولد، بل الولد لبعض دون بعض، فتعبهم بأن يطلب كل واحد ولدا، ويرجو أن يكون ممن قدر لها ولد فيثاب على الدعاء، وعلى أنه كان والدا، ويرجو أن يكون ممن قدر له فيثاب على الدعاء، وعلى أنه كان له ولد مطيع لله نافع له بعد موته مثلا لنيته، أو المعنى دونكم وما أباح لكم من الجماع، وخذوا منه ما شئتم، أو ذلك كله، وهكذا يكون الجماع بقصد تحصين النفس عن الزنا وبقصد طلب ولد مسلم، لا اللذة وحدها كالبهيمة، فتضمنت الآية النهى عن الجماع فى الدبر، إذ لا ولد منه، والنهى عن العزل، وهو صب الماء خارجا هرقا عن الولد، ولا يعزل عن الحرة إلا بإذنها خلافا لمن أجازه، ولا سيما من أجازه عند فساد الزمان، وجاز عن الأمة المتزوجة بإذن مالكها وقيل بإذنها، وعن السرية بلا إذن، ولفظ ما لعموم الجماع والولد، وإن كان للولد فلأن النطفة وما قبل نفخ الروح غير عاقل { وَكُلُوا وَاشْرَبُواْ } الليل كله متى شئتم لا قبل صلاة العشاء أو النوم فقط، والأكل واجب، كما إذا خيف الموت بالجوع أو مضرة فى بدنه، أو للحمل، وجائز إذا جاع دون ذلك، وحرام كأكل الحرام والميتة والأكل على الشبع إلا لعق الأصابع والصفحة فإنه جائز على الشبع، وإلا ماء زمزم، ومكروه كريبة فى طعام من جهة المعاملة، وفى نفسه كالحيوان المكروه، ومستحب كأكل الحلو عند الإفطار فى المغرب، والإفطار فى المغرب، والإفطار صبح عيد الفطر، والإفطار ضحى بزيادة الكبد { حَتَّى } غاية للأكل والشرب لا لهما وللجماع لقوله صلى الله عليه وسلم، من أصبح جنبا أصبح مقطراً، فيجب الكف عنه إذا لم يبق ما يتطهر فيه { يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ } الضياء التشبيه بالخيط الأبيض { مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ } من بقية الليل، السواد الشبيه بالخيط الأسود متعلق بيتبين { مِنَ الْفَجْرِ } حال من الخيط، ومن للبيان، كأنه قيل والخيط الأبيض هو الفجر، أو للتبعيض، اعتباراً، لكون الفجر اسما للكل والبعض، فإن أريد به الكل فتبعيضه، وإن أريد به الجزء فبيانية، كما إذا قلنا إنه اسم لكله فإنها بيانية بتقدير مضاف، أى وهو بعض الفجر، ولم يبين الخيط الأسود بقوله من بقية الليل، أو قوله من الغبش اكتفاء ببيان الخيط الأسود لأن بيانه بيان له، ولم يعكس لأن غالب أحكام الصوم من حرمة المباشرة والأكل والشرب مرتبطة بالفجر لا بالليل، وبيان الشىء بيان لضده، والمراد بالخيط الأسود طرف ظلمته المتصل بالفجر، فلا يشكل اتساع الظلمة حتى لا يكون كخيط، أو سماها كلها خيطا لمشاكلة ما هو كخيط وهو الفجر، ومعلوم أن الله لا يأمر الناس يأكل التراب وغير المغذى إلا ما كان دواء، وأكل التراب حرام فيلتحق به ما أشبهه، فليس الله يقول لنا كلوا التراب وغيره حتى يتبين لكم إلخ؛ فليس ما لا يغذى مفطرا للصيام لأنه لم يدخل فى الآية، هذا قلته من جانب من يقول لا يفطر إلا المغذى، ولم أر من ذكر مثله، ومشهور المذهب خلافه { ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ } من الفجر { إِلَى الَّيْلِ } والأمر للوجوب ولو فى صوم النفل لوجوب الوفاء وتجريم إبطال العمل إلا ما أجازه الشرع، كما إذا استثنى من الليل أو اعترض له أخوه فى الله بالإفطار فيما يقال، وفى الآية نفى الوصال.

السابقالتالي
2 3