الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ كَمَآ أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنْكُمْ يَتْلُواْ عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ }

{ كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنْكُمْ } معشر العرب، شرفاً لكم، إذ لم يكن من غيركم، ولا تقدرون أن تأخذوا الأحكام والوحتى عن الملَك، يعنى محمداً صلى الله عليه وسلم، ولأتم نعمتى عليكم إتماماً شبيهاً بإرساله فى الإتمام به للنعمة، ويجوز أن يعود إلى قولهفاذكروني } [البقرة: 152] أى اذكرونى ذكراً مثل ذكرى لكم بالإرسال، أو اذكرونى بدل إرسالنا فيكم رسولا، فالكاف للمقابلة، وذكر الإرسال وإرادة الإتمام من إقامة السبب مقام المسبب { يَتْلُوْا عَلَيْكُمْ ءَايَٰتِنَا } أى القرآن الذى هو معجزة دائماً لا يمل { وَيُزَكِّيكُمْ } يطهركم من الشرك والمعاصى، أو يعلمكم ما تكونون به أزكياء { وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَٰبَ } أى القرآن، ذكره أولا بلفظ الآيات باعتبار معانيه التى هى مدلولها، وثانياً بالكتاب باعتبار ألفاظه { وَالْحِكْمَةَ } ما فيه من الأحكام، تخصيص بعد تعميم، أو السنة { وَيُعَلِّمُكُمْ مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ } من أخبار الأمم وأنبيائهم والحوادث، ولم يقل ويعلمكم الكتاب والحكمة وما لم تكونوا تعلمون بلا إعادة ذكر يعلمكم ليدل على أن هذا التعليم نوع آخر، ولو قلنا ما لم تكونوا تعلمون هو الكتاب والحكمة وعطف، لأن تغاير الصفة كتغاير الذات، فإن مفهوم ما لم تكونوا تعلمون غير مفهوم الكتاب والحكمة، ولو اتحدت ما صدقاً، وقدم التزكية لأنها تخلية عن التعليم لأنه تحلية، ولأنها غاية التعليم متقدمة فى القصد، كما قالوا فى الغاية المقصودة من الفعل هى أول الفكر وآخر العمل، كالماء غاية يقصد بالحفر ويحصل بعده وقد قصد قبل الحفر، وقدم التعليم فى دعاء إبراهيم: ربنا وابعث فيهم... الخ باعتبار أن التزكية تحصل بعد العلم، وهو بعد التعليم: وقيل: التزكية عبارة عن تكميل النفس بالقوة العملية، وتهذيبها المتفرع عن تكميلها بالقوة النظرية الحاصل بالتعليم المترتب على التلاوة، ووسطت بين التلاوة والتعليم إيذاناً بأن كلا من الأمور المترتبة نعمة على حدة توجب الشكر، ولو روعى ترتيب الوجود كما فى دعوة إبراهيم لتوهم أن كلا نعمة واحدة.