الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَٱسْتَبِقُواْ ٱلْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ ٱللَّهُ جَمِيعاً إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

{ وَلِكُلٍّ } من الأمم { وِجْهَةٌ } جهة، أو لكل أهل ملة، أو لكل جماعة من المسلمين واليهود والنصارى، أو لكل قوم من المسلمين جهة من الكعبة، جنوبية، أو شمالية، أو شرقية، أو غربية، يتوجه إليها بالاستقبال فى الصلاة ونحوها، أو لكل من الأمم، توجه مصدر شاذ، إذ هو فلعة بكسر الفاء، ثبتت فاؤه واو، أو وجهة ملة تقصد { هُوَ } أى للكل، أو الله { مُوَلِّيهَا } وجهة، فالمفعول الثانى محذوف، أى يجعل وجهه تاليا لها، أو يوليها ملتها، والمعنى، أنهم لا يتركون قبلتهم، ولا ملتهم، فذلك كالفذلكة لقوله: ما تبعوا قبلتك وما أنت بتابع قبلتهم، وما بعضهم بتابع قبلة بعض، وليس المراد أن الله أباح لهم ذلك، بل الله يعاقب كل أمة خالفت نبيها، فيعاقب الله اليهود والنصارى وغيرهم الذين أدركتهم بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخالفوه فى القبلة وغيرها، إلا من لم يبلغه الخبر فيعذر، إن كان على دين غير منسوخ، أو لم يبلغه نسخه { فَاسْتَبِقُواْ } أيها المؤمنون، أو أيها المكلفون، وهو من الافتعال بمعنى التفاعل، أى ليعالج كل منكم أن يسبق الآخر لرضى الله وثوابه، كالصلاة فى أول الوقت، واستقبال عني القبلة لا عناداً للآخر، أو حسداً أو كبر، وهو متعد ولازم، فتقدر إلى { الْخَيْرَٰتِ } الأمور الحسنة، اعتقاداً وقولا وفعلاً من أمر القبلة وغيرها، أو الخيرات الكعبة، جمعا لجمعها كل خير، أو للتعظيم، أو الجهات الفاضلة لكونها على سمت الكعبة، فيكون الخطاب للمؤمنين، أو للمكلفين من أهل الآفاق لتعذر مقابلة الكعبة جزما، والخيرات جمع خير، أو خيرة بشد الياء، أو بالتخفيف، تقول، أمر خير، وخصلة خيرة، أو جمع خير اسم تفضيل خارجاً عن بابه، أو باقياً لأن الأفقى يجيز فى استقبال وجهين أو أكثر، فيختار أقواها عنده، ولأن المخطىء يدعى أن ما هو عليه حسن، وعلى دعواه هذا الذى عليه محمداً حسن { أَيْنَ مَا تَكُونُواْ } فى موضع خفى أو ظاهر، فى بر أو بحر { يَأْتِ بِكُمُ اللهُ } يصيركم الله آتين { جَمِيعاً } يوم القيامة للجزاء بأعمالكم، وذلك حث على الاستباق، كقوله تعالى:يَا بُنَيَّ إِنها إن تك مثقالَ حبة من خردل فتكن فى صخرة أو فى السمٰوٰت أو في الأرض يأت بها الله } [لقمان: 16] أو يمتكم، كقوله تعالى:أينما تكونوا يدرككم الموت } [النساء: 78] أو يأتى بكم إماتة وحشرا، أو يجمع صلواتكم فى الآفاق من جهات الكعبة، كصلاة واحدة إلى جهة فى القبول، كأنها إلى عين القبلة، أو فى المسجد الحرام، فيأت بكم مجاز عن جعل الصلاة متحدة الجهة { إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ } من الإماتة والإحياء والحشر وغير ذلك { قَدِيرٌ }.