الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ سَيَقُولُ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَ ٱلنَّاسِ مَا وَلَّٰهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ ٱلَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا قُل للَّهِ ٱلْمَشْرِقُ وَٱلْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَمَا جَعَلْنَا ٱلْقِبْلَةَ ٱلَّتِي كُنتَ عَلَيْهَآ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ ٱلرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ }

{ سَيَقُولُ } الخ نزلت قبل قوله: مَا وَلاَّهم وبعدقد نرى تقلب وجهك } [البقرة: 144].. الآية فتكون معجزة بالإخبار بالغيب، وتوطيناً لنفوس المؤمنين على الصبر، وليستعدوا للجواب، ومفاجأة المكروه أشد على النفس، وأدعى لاضطراب الجواب، أو خطئه فقدم الله الإخبار لهم ولقنهم الجواب، وعلى صحة نزولها بعد قولهم: ما ولاهم، فالسين للتأكيد دون الاستقبال، وفائدة التأكيد ذمهم، بأنهم قد تحقق منهم كلام سوء وطعن، فيكون الفعل للال المحكية تنزيلا للماضى منزلة الحاضر، أو الاستمرار أو هى للاستقبال بمعنى، أنهم سيعيدون القول ويكررونه مجاهرة، وجد بعد إخفاء { السُّفَهَاءُ } من يضعون الشىء فى غير موضعه لخفة عقولهم، ويعملون بغير دليل ويرون غير الدليل دليلا { مِنَ النَّاسِ } أى من جملة الناس، لئلا يتوهم أن السفهاء هم خصوص المذكورين أوائل السورة، والسفيه ولو كان قد يكون من الحيوانات لكن لا قول لها إلا شاداً، أو تأويلا فلا يحترز عنها، والسفهاء اليهود المجاهرون، والمنافقون بإضمار الشرك من العرب، والمنافقون من اليهود، ومشركو العرب، أما اليهود فإنهم لا يرون الفسخ، وكانوا يأنسون باستقبال النبى صلى الله عليه وسلم بيت المقدس، ويرجعون أن يرجع إلى دينهم، ولما استقبل القبلة اغتموا، وقالوا، اشتاق إلى دين آبائه، ولو ثبت على قبلتنا لعلمنا أنه المبشر به فى التوراة، فبعض علموا أنه النبى، وأنه سيرجع إلى الكعبة وكتم، ولو لم يرجع إليها لعلموا أنه غير النبى، وقال ذلك سفها، وبعض ما علم وقال ذلك، وأما المنافقون فقالوا: تحوله للكعبة لعب بالدين وعمل بالرأى لا دين، وأما مشركو العرب فقالوا، قد رجع إلى وفاقنا، ولو بقى عليه من أول الأمر لكان أولى له وكذبوا، لم يكن قط إلا على الإسلام، إلا إن أرادوا موافقة الكعبة.

ويروى أنه كان يصلي إلى بيت المقدس فتأذوا بذلك، وقيل: يجعل الكعبة بينه وبين بيت المقدس ولما حوّلت الكعبة قالوا، لو كان من أول كذلك كأن ألْيق به، وقالوا: رغب عن قبلة آبائه، ثم رجع إليها، وسيرجع إلى دينهم.

قال البراء: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة صلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهراً، أو سبعة عشر شهراً، وكان يحب أن يتوجه إلى الكعبة، فأنزل الله تعالىقد نرى تقلب وجهك... } [البقرة: 144] الآية فكان يصلى إليها.

وفى رواية صلى إلى بيت المقدس تسعة أشهر أو عشرة أشهر، وعن معاذ ثلاثة عشر شهرا، وقيل سبعة أشهر { مَا وَلَّٰهُمْ } صرفهم إلى الكعبة { عَنْ قِبْلَتِهِمُ } صخرة بيت المقدس.

وأصل الكعبة نوع من الاستقبال فى ذات المستقبل وأحواله فى مكانه، ثم صار حقيقة عرفية عامة للجهة المسقبل إليها { الَّتِي كَانُواُ عَلَيْهَا } فى صلاتهم ودعائهم وأمورهم، وذلك ظاهر فى اليهود والمنافقين من العرب المعتقدين لحقية قبلة اليهود تقليداً لليهود.

السابقالتالي
2 3 4 5