الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا بَلَداً آمِناً وَٱرْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ ٱلثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلنَّارِ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ }

{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا } أى هذا البلد، دعاء بعد أن كان عمارة، أو هذا المكان، وهو أرض مكة قبل أن يكون فيها ماء وعمارة، وهذا الدعاء قبل ذلك { بَلَداً ءَامِناً } ذا أمن كلا بن، بمعنى ذى لبن، أو مجاز عقلى من الإسناد إلى المكان، إذ الأمن من فيه، أو آمنا أهله، طلب فى المرة الأولى، كون الوادى بلداً آمنا، أى معموراً آمنا، فاستجيب له فى كونه بلدا معمورا، وتأخرت الاستجابة فى الأمن، ثم كرر الطلب للأمن فاستجيب له، إذ قال: رب اجعل هذا البلد آمنا، فجعله الله بلداً آمنا، لا ينفر صيده، ولا يسفك فيه دم، ولو قصاصا أو حدا، إلا إن جنى فيه.

وعن الشافعى يقتص منه ويحد فيه ولو جنى خارجه إذا دخله، ولا يختلى خلاه، وتضاعف فيه السيئات، الواحدة بمائة، كالحسنات، الواحدة بألف وبمائة ألف، ولا يظلم فيه، ولا يخسف، ولا يمسخ فيه إلا ما قيل، إنه مسخ رجل وامرأة زنيا فى الكعبة، ولا يقحط ولا يخاف من عدو، وليس طلب الأمن تكريرا لقوله: وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا، لأن ذلك إخبار من الله، وما هنا طلب من إبراهيم، أخبرنا الله بما استجاب له فيه قبل، فلا حاجة إلى أن يقال، أراد هنا الأمن من القحط كما قال: { وارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَٰتِ } أى من أنواعها، وقد استجيب له حتى إنه يجتمع فيها فى اليوم الواحد ثمرات الفصول من الطائف.

قال ابن عباس، نقل الله بقعة من فلسطين بالشام، وقيل من الأردن، وجعلها فى الطائف، وسميت بالطائف، لأن جبريل طاف بها سبعا، ووصفها فى ذلك الموضع، توسعة لرزق الحرم، إجابة لدعائه عليه السلام: { مَنْ ءَامَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الأَخِرِ } لا جميع أهله ولو كفارا، متابعة لقوله تعالى:لا ينال عهدى الظالمين } [البقرة: 124] فأخبره الله أن الرزق يعم الظالم، لا كالإمامة بقوله " قَالَ " قال الله عز وجل { ومن كفر } عطف من الله على قول إبراهيم، من من، كما فى قوله { ومن ذريتي } وكما يقول الرجل، أكرم زيدا، فتقول، وابنه، أو يقدر، والرزق من كفر، بفتح الهمزة وضم القاف، وعطف على هذا المنذر بقوله: { فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً } أو قل، يا إبراهيم، ومن كفر، أو ارزق من آمن ومن كفر بالفتح والضم، أو من كفر فأنا أمتعه، أو فقد أمتعه، فحذف أنا، أو قد، وإن جعلنا من موصولة مبتدأ فالفاء صلة فى خبرها بلا تقدير، والمراد تمتيعا قليلا أو زمانا قليلا، أو كلما كثر أو طال من الدنيا فقليل قاصر { ثُمَّ أَضْطَرُّهُ } الجئه بعد موته { إلَى عَذَابِ النَّارِ } لكفره، فلا يجد امتناعا عنها، وذلك بلا تحرك منه، كقوله تعالى: يوم يدعُّونَ إِلَى نَارِ جَهنم دعا، وقوله: يسحبون، وقولهيؤخذ بالنواصى والأقدام } [الرحمٰن: 41] ويتحرك كقوله عز وجلوسيق الذين كفروا } [الزمر: 71] { وَبِئْسَ الْمَصِيرُ } النار أو عذابها، أو الصيرورة، فإنه يصار إلى المعانى كما يصار إلى الأجسام، والمتسبب عن الفكر شيئان، الأول تقليل التمتيع، إذ قصر عن التمتيع الدنيوى، ولم يوصل بالأخروى، والثانى اضطراره إلى عذاب النار.