الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلْحَقُّ فَٱعْفُواْ وَٱصْفَحُواْ حَتَّىٰ يَأْتِيَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

{ وَدَّ كَثِيرٌ } منهم، حيى بن أخطب، وأبو ياسر، وكانا أشد الناس حسدا للعرب على الإسلام وكون النبى منهم { مِّنْ أَهْلِ الْكِتَٰبِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ } أحب وتمنى كثير من اليهود ردكم، أى تصيركم { مِّن بَعْدِ إِيمَٰنِكُمْ كُفَّاراً } مشكرين وقوله { حَسَداً } تعليل لود، لا ليرد، لأن المعنى عليه ود، وأن يكون الرد للحسد، وليس مراداً، ووصف الحسد بقوله { مِّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ } لخبثها الشديد فلا موجب لذلك الرد من التدين، بل تشهيا، أو من عند ذواتهم، كأنهم جبلوا عليه، فيصعب زواله { مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ } فى التوراة، بموافقة نعوته فيها وبالمعجزات { الْحَقُّ } أى بعد تبين الحق لهم، أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقرآن.

قال نفر من أحبار اليهود كفنحاص بن عازوراء وزيد بن قيس لحذيفة وعمار بعد أحد، لو كنتم على الحق لما غلبتم فارجعوا إلى ديننا فهو خير لكم، فقال عمار: كيف نقض العهد فيكم؟ قالوا: أمر شديد، فقال: عاهدت الله تعالى، ألا أكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم ما عشت، فقالت اليهود، أما هذا فقد صبأ، وقال حذيفة: وأما أنا فقد رضيت بالله ربّاً، وبالإسلام دينا، وبالقرآن إماماً، وبالكعبة قبلة، وبالمؤمنين إخوانا، فأخبرا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أفلحتما، فنزل، ود كثير { فَاعْفُواْ } عن اليهود والعرب، كما لم يذكر لفظ عنهمن والفاء تدل على اليهود أولا وبالذات، ودخلت العرب ثانيا وبالتبع لا تعاقبوهم، { وَاصْفَحُواْ } عنهم، لا تعاتبوهم العتاب الشديد، وضعف ما قيل، لا تخالطوهم، وقد يعفو الإنسان ولا يصفح، وأصل العفو محو الجريمة، من عفا إذا اندرس، وترك العقوبة لازمة، وبينهما عموم وخصوص، من وجه، يجتمعان إذا لم يعاقب ولم يعاتب { حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ } واحد الأمور. وهى القيامة، والجزاء فيها، وقوة الرسالة وكثرة الأمة، أو ضد النهى، بأن يأذن فى قتالهم لوقته، فجاء الإذن فى قتال العرب قبل بدر، إذ قالأذن للذين يقاتلون } [الحج: 39] الآية، وجاء الإذن فى أخذ الجزية من أهل الكتاب، وبقتل قريظة وإجلاء النضير بعد أحد، بل بعد الأحزاب، وهى بعد أحد { إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } فلا يعجزه الانتقام منهم.