الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ ٱنْظُرْنَا وَٱسْمَعُواْ وَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { مَّا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ وَلاَ ٱلْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَٱللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ } * { مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

{ يَٰأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَقُولُواْ } للنبى صلى الله عليه وسلم { رَاعِنَا } اعتبرنا وانظر أحوالنا، وتدبرها، وتدارك مصالحنا، وتأنّ بنا حتى نفهم ما تقول، هذا مرادهم، رحمهم الله، ومن ذلك رعى الغنم ونحوها، والمفاعلة للمبالغة هنا، وهى بلغة اليهود سب، لما سمعوا المؤمنين يقولونها قالوها له صلى الله عليه وسلم سبّاً فى لغتهم، عبرية أو سريانية، يتسابون بها بينهم، فكانوا يسبون بها النبى صلى الله عليه وسلم، وليست من الرعونة بمعنى الحمق، وإن كانت منها فمما توافق فيه لغة العرب والعجم، وقد يكون بين لفظ العرب ولفظهم مغايرة فيزيلونها ليوافقوا كلام العرب خداعاً للسب.

وقد قيل، معناها، اسمع لا سمعت، وقالوا، كنا نسب محمداً سرّاً فأعلنوا به الآن، فيقولون، يا محمد راعنا، ويضحكون فيما بينهم، ويقال، كان مالك بن صيف، ورفاعة بن زيد إذا لقيا النبى صلى الله عليه وسلم قالا وهما يكلمانه، راعنا سمعك، واسمع غير مسمع، فظن المسلمون، أن هذا شىء يعظمون به الأنبياء فنزلت الآية.

ويقال، كان ذلك لغة للأنصار فى الجاهلية، وكان سعد بن معاذ، أو سعد ابن عبادة يعرف لغتهم، فسمعهم يقولونها للنبى صلى الله عليه وسلم فقال: يا أعداء الله، عليكم لعنة الله، والذى نفسى بيده لئن سمعتها من رجل منكم يقولها لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأضربن عنقه، قالوا، أو لستم تقولونها؟ فنزلت الآية قطعاً لألسنة اليهود عن التدليس، ويحتمل أن يريد أنت راعن، أو يا راعن، أى أحمق، فزادوا الألف وفتحوا، أو أنت راعينا لا نبى، فحذفوا الياء أو اختلسوها { وَقُولُوا انْظُرْنَا } اعتبرنا حتى نفهم، أو أمهلنا، فإنه يقال، نظره بمعنى أمهله فلا حادة إلى تقدير انظر إلينا { وَاسْمَعُواْ } من رسول الله صلى الله عليه وسلم قبول وعمل وانتهاء بجد، بحيث لا تحتاجون إلى الإعادة وطلب المراعاة، لا كقول اليهود سمعنا وعصينا، السابين براعينا، ولا تكونوا أيها المسلمون مثلهم فى طلبكم الإعادة { وَلِلْكَافِرِينَ } اليهود السابين براعنا. أو جعله للكافرين. فدخل اليهود، وذلك السب كفر { عَذَابٌ أَلِيمٌ } زعم طائفة من اليهود أنها يودون الخير للمؤمنين فكذبهم الله عز وجل بقوله:

{ مَّا يَوَدُّ } يحب، أو يتمنى حسداً { الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَٰبِ } أى، وهم أهل الكتاب، وكلهم كفرة، إذ لم يؤمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا من آمن، كعبدالله بن سلامن وإن جعلناها للتبعيض فالمراد البعض الأكثر، وهو خلاف الظاهر { وَلاَ الْمُشْرِكِينَ } من العرب، والكلام جاء فيهم عطف على أهل الكتب، وذكرهم اتباعا لليهود، وهم لم يدعوا ود الخير للمؤمنين، ولذلك أخرهم { أَنْ يُنَزَّلَ } أى أن ينزل الله { عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ } نائب فاعل ينزل، فمن صلة للتأكيد والاستغراق، وصح ذلك مع أن قوله ينزل مثبت لانسحاب نفى الود إليه، والمراد بالخير الوحى والعلم والنصر، وغير ذلك من أنواع الخير، وكراهتهم تعم كل خير.

السابقالتالي
2 3