الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيَّاً } * { وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً }

{ واذْكُر فى الكتاب إِدريس } هو نبى قبل نوح بألف سنة، كما روى عن ابن عباس، وهو أخنوخ بضم الهمزة وفتحها ابن برد بن مهلاييل ابن أنوش بن فيتان بن شيث بن آدم عليه السلام، وعن وهب أنه جد نوح والمشهور أنه جد أبيه. على أنه ابن لملك بن متوشلخ بن أخنوخ، وهو أول من نظر فى النجوم والحساب، جعل الله ذلك من معجزاته، وأول من خط بالقلم، وخاط الثياب، ولبس المخيط، وكانوا من قبل يلبسون الجلود، وأول مرسل بعد آدم، وأنزل الله عليه ثلاثين صحيفة، وأول من اتخذ المكاييل والموازين والأسلحة، وكان يقاتل بنى قابيل.

وعن ابن مسعود أنه إلياس بعث إلى قومه أن يقولوا لا إله إلا الله ويعملوا ما شاءوا أى مما ليس من مساوىء الأخلاق، فأبوا أو أهلكوا والصحيح الأول، ولو روى القول بأنه إلياس ابن أبى حاتم بسند حسن عن ابن مسعود، وهو لفظ سريانى عند الأكثر، لا مشتق من الدرس، لأن الاشتقاق من غير العربى لا يقول به أحد، ولو كان عربياً لصرف إلا أن يكون فى تلك اللغة قريب المعنى من ذلك، فلقب به لكثرة درسه.

{ إِنه كان صدِّيقا نَبيا * ورفعناه مكاناً علياً } فى السماء الرابعة، عند أنس وأبى سعيد وكعب ومجاهد، وفى السادسة عند ابن عباس والضحاك، وفى الجنة عند الحسن، لأنه لا أعلى منها إلا العرش لما أنشد النابغة الجعدى للنبى صلى الله عليه وسلم قصيدته المختومة بقوله:
بلغنا السماء مجدنا وسناءنا   وإنا لنرجو فوق ذلك مظهراً
قال صلى الله عليه وسلم: " إلى أين يا ابن أبى ليلى؟ " قال: الى الجنة يا رسول الله، قال: " أجل إن شاء الله " وعن الحسن والجيانى وأبى مسلم: الرفعة رفعة شأن ونبوة، وفى السابعة عند قتادة، يعبد الله مع الملائكة ورفع عنه الأكل، وقيل إذا شاء أكل من الجنة، وشذ ما روى عن مقاتل أنه مات فى السماء، وهذا الرفع ولو كان حسياً لكن فيه مدح، لأنه إلى محل الملائكة والعبادة، وهل سمع رفع عاص الى ذلك، وروح الشقى ترد من السماء ولا تدخلها، وقد تكون الرفعة المكانية معنوية، كما فسرها الحسن فى رواية وكما قال:
وكن فى مكان إذا ما سقطت   تقوم ورجلك فى عافيه
وفى البخارى ومسلم، عن أنس بن مالك، عن مالك نب صعصعة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنه رأى ليلة الإسراء إدريس فى السماء الرابعة ليلة المعراج " وعن كعب الأحبار: أصاب إدريس حر الشمس فقال: كيف بمن يحملها كل يوم مسيرة خمسمائة عام، فدعا الله تعالى للملك الحامل لها، فخففت عليه، فقال [الملك]: يا رب خففت على فماذا؟ قال الله عز وجل: بدعاء إدريس، فقال: يا رب اجعل لى معه خلة، فاستجاب الله عز وجل له، فأتاه فقال له ادريس: أخبرت أنك أمكن الملائكة عند ملك الموت، فاسأله أن يؤخر أجلى لأزداد عبادة وشكراً، فقال لا يؤخر الأجل، لكن أخبره فرفعه الى مطلع الشمس، فقال لملك الموت: لى صديق آدمى طلب تأخير الأجل، قال لا يؤخر، لكن أخبره بأجله ليقدم لنفسه فنظر فى الديوان فقال كلمتنى فى إنسان لا يموت أبداً، أى لأنه قد مات فلا يزداد موتاً آخر، وإنى أجد موته عند مطلع الشمس، قال: إنى تركته هناك، قال فانطلق فإنه قد مات، فوجده ميتاً، وقد عرف ملك الموت أنه أراد إدريس.

السابقالتالي
2 3