الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ سَلاَمٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّيۤ إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً }

{ قال } كأنه جواب سؤال عما قال إبراهيم { سلام عليك } سلام موادعة، ومقابلة السيئة بالحسنة، أى لا يصيبك منى ما يؤذيك من دعاء إلى الخير، إذ لم تقبل منى كقوله تعالى:لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغى الجاهلين } [القصص: 55] إلا أنه هنا ما ذكر الجهل، وقيل تحية مفارقة بناء على جواز أن يبدأ المسلم الكافر بالسلام، وهو مذهب سفيان بن عيينة، مستدلا بقوله تعالى:لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين } [الممتحنة: 8] وقوله تعالى:قد كانت لكم أسوة حسنة فى إبراهيم } [الممتحنة: 4] الآية، ويرده أن ذلك مقيد بما فى صحيح مسلم، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام " وقد يخالف شرع إبراهيم فى هذا شرعنا.

{ سأستغفر لك ربى } أن يوفقك إلى التوبة، ووفى بهذا الوعد بعد، كما قال الله عز وجل عنه:واغفر لأبى إنه كان من الضالين } [الشعراء: 86]وما كان استغفار ابراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه } [التوبة: 114] أى وعدها لأبيه لا كما قيل وعدها أبوه له أن يؤمن بالله والاستغفار، بمعنى طلب الهداية، ولما تبين له أنه قضى الله أن لا يؤمن، وجب عليه أن لا يطلب له الهداية، إلا أنه إذا كان الاستغفار بمعنى طلب الهداية، فهو جائز لكل غاسق أو مشرك ما لم يمت، ويجىء الوحى أنه لا يؤمن أحاديث: " اللهم اهد قومى فإنهم لا يعلمون " ومشهور مذهبنا فى المغاربة منع ذلك.

وقد يكون الاستغفار على ظاهره مبنياً على اشتراط الاسلام مثل أن يقول: الله اغفر له على أن يتوب وإما أن تقول فيمن ظهر لك موجب ولايته، اللهم اغفر له إن كان سعيداً أو موجب براءته اللهم العنه، إن كان شقيا، فلا يجوز على المشهور، بل تتول أو تتبر بلا اشتراط لذلك، واتفقوا على أن لا اشتراط فى المنصوص عليه، والمذهب الصحيح أن لا يستغفر للمشرك مطلقاً إلا إن جاء الوحى أنه سيؤمن، وكل من علمت بشركه فقد تبين لك أنه من أصحاب الجحيم بحسب الظاهر لك، ولا تكلف الغيب.

{ إِنه كانَ بى حفياً } عظيم البر والإكرام لى، وكثيره، والجملة تعليل لما قبلها، وبى متعلق بحفياً، قدم للفاصلة والاهتمام الذى علمه الله من إبراهيم، ولا يخفى ما فى كلام إبراهيم من الرحمة كما هى شأن الأنبياء كلهم، وخصوصا للأقارب، وخصوصاً من الأقارب الأبوين اداء لبعض حقوقهما كما هنا، وإن كان عماً، فالعم كالأب.