{ إِذ قال لأَبيه } بدل اشتمال من إبراهيم اعترض بينها بجملة تعليلية، وذلك من خروج إذ على الظرفية كما خرجت عنها بالإضافة إليها فى يومئذ، وحينئذ، أو متعلقة بكان، لأن الصحيح جواز التعليق بكان التى لها خبر، وأنها تدل على الحث، ولو شهر منع ذلك، وقيل متعلق بنبياً، وفيه أنه يلزم أن الله جل وعلا جعله نبياً حين القول لأبيه، ويحاب بأنه يطلق الوقت على ما قبله وما بعده مما يليه، فإذا وقع نبى فى شهر مثلا صح إطلاق أنه وقع فيه، مع أنه وقع فى جزء منه، وكذا البحث والجواب إذا علق بصديقا. { يا أبت } التاء عوض عن ياء المتكلم، وأبوه آزر وهو ظاهر القرآن، وقيل هو عمه، ويصح أنه أبوه ظاهر ما رواه أبو نعيم والديلمى، عن أنس، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " حق الوالد على ولده، أن لا يسميه إلا بما يسمى به إبراهيم أباه يا أبت ولا يسميه باسمه ". { لم تعْبُد ما لا يسْمَع } ثناءك عليه، ولا صوتك بالخضوع إليه، ولا صوتاً ما من الأصوات { ولا يُبْصر } خضوعك وخشوعك بين يديه ولا شيئا ما من الأشياء { ولا يُغْنِى عنك شيئاً } أى إغناء ما أولا يدفع عنك شيئاً، ولا يفيدك شيئا، والجماد من شأن أن يكون شيئا مطروحاً إلا إذا احتيج أن ينتفع به فعل به بلا احترام له، فكيف يحترم غاية الاحترام، ويعبد وهو دون عابده، مع أن العاقبل المميز القادر على النفع والضر بإذن الله سبحانه، لا يستحق العبادة لأنه محتاج ليس بخالق، ولا رازق، ولا محيى ولا مميت، ولا مثيب ولا معاقب، وذلك حجة عقلية، واحتج بالنقلية فى قوله: { يا أبت إنى قد جاءنى مِنْ العِلْم } متعلق بجاء، ومن للابتداء أو حال من ما، ومن للتبعيض من قوله: { ما لم يأتِك } استماله برفق إذا لم يسمه بجاهل ولا نفسه بعالم { فاتبعنى أهدك صراطاً سوياً } مستقيما سهلا، لا يضل سالكه، موصلا إلى أسنى المطالب منجياً من المعاطب، وهو ما أوحى الله إليه من التوحيد والعمل بما يجب، وترك ما يحرم والوعد والوعيد، وإن كان ذلك قبل الوحى إليه صح أيضا، لأنه على دين الله قبله أيضا، ثم حذره بأن عبادة الأصنام التى تعبدها عبادة للشيطان لأمره بها، وهو عدو لله الذى منه النعم كلها، المسمى الرحمن أى المنعم، أفلا تخاف أن يسلبها عنك فقال: { يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصياً } فعيل للمبالغة أو مفعول أدغمت واوه فى يائه، وكسر عاقبلها، وأراد عصيان على الإطلاق، أو عصيانه بترك السجود لآدم تذكيراً له بعداوة أبيه، فيجتنب مصادقة من هو عدو لأبيه، كما رسم فى القلوب، ثم صرح له بالتحذير من أن يعاقبه الله على مصادقة عدوه وقال: