الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُواْ كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي ٱلْمَهْدِ صَبِيّاً } * { قَالَ إِنِّي عَبْدُ ٱللَّهِ آتَانِيَ ٱلْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً }

{ فأشارت إِليه } إلى الولد أن كلموه، فهنا أخبرت بنذرها إشارة لا نطقاً فليفسر بها قوله:إنى نذرت للرحمن صوماً } [مريم: 26] فلا تحاور إنسانا، وقيل أشارت إلى عيسى أن أجب عنى، وقد قال لها فى رجوعها من الغار: أبشرى فإن الله تعالى يبرئك، ويؤيد الأول قوله تعالى:

{ قالوا كيف نُكلِّم مَنْ كان فى المَهْد صبياً } أنكروا جوابها حتى قالوا: استخفافها بنا، إذ ردتنا إلى خطاب من فى المهد، أشد من زناها قلنا: حاشاها، والمهد ما يفرش للمولود، أو يطوى فيه، وقال قتادة: حجر أمه، وقال عكرمة: مصنوع للولد، يعلق ويحرك له، وقيل سرير، وإن قلت: كل من كلمناه أو نكلمه قد كان فى المهد صبياً فما معنى الآية؟

قلت: معنى كان ثبت، والثبوت مستمر، وكأنه قيل: من كان الآن أى ثبت، وإن منعنا عملها على هذا المعنى فصبياً حال أو كان أمس أو فى زمان قريب إلى زماننا هذا فى المهد صبيا، واستمر إلى الآن فيه، والمراد عيسى عليه السلام، أو كيف نكلم من مضى فى المهد صبياً قبل ولدك هذا، لا يتصور ذلك، فكيف يتصور مع ولدك، فالمراد غير عيسى عليه السلام، وتكلم للاستمرار أو زيد كان للتأكيد، لا يدل على زمان ولا حدث، وفى المهد صلة، وصبياً من المستتر فيه أو الماضى، بمعنى مضارع الحال ومن فى ذلك موصولة أو موصوفة لا تختصر الموصولة بما إذا فسر بعيسى، والموصوفة بغيره، كما قيل وكأنه قيل: فماذا كان بعد؟ فأجاب بما فى قوله:

{ قال } وهو ابن يومه، وقيل ابن أربعين يوماً على ما مر { إِنِّى عبد الله } كان يرضع فترك الثدى إذ سمع كلامهم واستقبلهم بوجهه، واتكأ على يساره، وأشار بسبابته فقال: إنى عبدالله، وقيل استنطقه يحيى فأجاب بذلك، ولو كان ولد الله تعالى الله عن الولادة لم يقل إنى عبدالله، والولد لا يكون عبداً لأبيه، والله لا يصطفى ولد الزنى، وكان أول ما نطق به إثبات العبودية على نفسه لله تعالى نفياً للألوهية عن نفسه، وتباعداً عن أن يتخذ إليهاً، وفى نقطه قبل أولى النطق مطلقا إزالة التهمة عن أمه، وفى ذكر ما مر عن مريم، وذكر صفات عيسى ما دل على براءتها، وبقى يتكلم بعد ذلك لتأكيد براءتها، وقيل: لا حتى بلغ أوان الكلام كما رواه بعض حديثاً عنه صلى الله عليه وسلم.

{ آتانى الكتاب } الإِنجيل أو إياه، والتوراة والصحف { وجَعَلنى نبياً } أى أثبت لى فى قضائه أو فى اللوح إثبات الكتاب والنبوة لأوانهما بعد إذا بلغت أربعين عاماً كما قال صلى الله عليه وسلم: " كنت نبياً وآدم بين الروح والجسد " أو الماضيات لتحقق الوقوع بعد، فكأنه قد وقع ذلك، وقيل ثبت ذلك فى حينه، بأن أكمل عقله واستنبأه وآتاه الكتاب وهو طفل كما روى عن الحسن أو جاء عن أنس أن عيسى درس الإنجيل وأحكمه فى بطن أمه، وعن الحسن أنه ألهم التوراة فى بطن أمه.