الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَهُزِّىۤ إِلَيْكِ بِجِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً }

{ وهزِّى إِليكِ } زعموا أنه لا يعمل الفعل فى ضميرين متصلين لمسمى واحد، ولو جرى الثانى بالحرف إلا فى باب ظن وعلم، وفقد وعدم ورأى الحلمية قلت: لا مانع من ذلك إذا كان بحرف الجر، كما هنا، وكما فى قوله تعالى:واضمم إليك } [القصص: 32] وقوله:أمسك عليك زوجك } [الأحزاب: 37] وقوله:يدنين عليهن } [الأحزاب: 59] وقوله:فصرهن إليك } [البقرة: 260] وهو كثير فى القرآن، وما كثير لا يحسن منع القياس عليه، ولا تأويله ولم يجىء فى القرآن بلا حرف، وهو الممنوع نحو: ضربتَكَ بفتح التاء، وضربتُنى بضمها، وزيد ضربه برد المستتر، والهاء إلى زيد فهو متعلق بهزى، ولا حاجة إلى تقدير أعنى إليك.

وأيضاً إلى فى هذه العناية أن علقت بهز محذوف فقد رجعت إلى المحذوف ولو قدر مضافاً أى إلى جهتك كان أولى، مع أنه لا حاجة إليه، ولا حاجة إلى جعل اسماً بمعنى عند، ولا إلى جعلها اسم فعل، وعدى بالى لتضمنه معنى الإمالة، بل لا يحتاج إلى تأويل، ألا ترى صحة قولك: هزى إلى كذا، وكأنه قيل حركه إلى كذا، والهز التحريك أى إلى جهة بعنف أو بلا عنف، والهز إلى جهتها أو يمينا وشمالا فيسقط التمر قدامها.

{ بِجِذْعِ النَّخْلة } الباء صلةٌ للتأكيد، والجذع مفعول به، وإن جعلنا الباء للآلة فالمفعول محذوف تقديره، هزى بجذع النخلة فروعها أو قنوانها، ولا يحسن هزى ثمارها، وقد كان يكفى عن هزها هز محلها، فلا يحسن جعل رطباً مفعو به لهزى، ومن خوارق العادة قدرتها على هز جذع النخلة، أو خلقه الله رقيقا ليناً، وكون ذلك فى غير أوان الرطب، خارق آخر، ويروى أن عيسى أو جبريل ضرب الأرض بعقبه، فجرت العين اليابسة، واخضرت النخلة، وأثمرت وأنعت { تُسَاقِط عليك } تتساقط، أدغمت التاء الثانية فى السين والفاعل ضمير النخلة { رطباً } تمييز محول عن الفاعل الأصل تتساقط عليك رطبها، وهى نضج البسر، والواحدة رطبة، ومعنى على العلو على قدامها، ويحتمل السقوط على رأسها أو حجرها، أو على مطلق جسدها، فذلك بيان لكثرة الثمار الساقطة، وأكد الكثرة بإسناد السقوط إلى نفس النخلة، وأكدها أيضاً بصيغة التفاعل.

{ جَنياً } تم نضجه كلها، خرج عن البسر ولم يصل التمر، وكان بحيث يستحق أن يجنى، أى يقطف من متعلقه، وما يجنى خير مما يسقط فى الجملة، لأنه يلتصق بالتراب، وقد تأكل منه نملة، وقد يكون قديما، وما قرب عهداً أحسن مما بعد عهده، ولكن جمع الله تبارك وتعالى كونه ساقطاً فى نظافة ما يجنى، وما مفرده بالتاء هكذا يذكر ويؤنث، ولذا قال: جنياً، ولم يقل جنية.

السابقالتالي
2