الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ كَذٰلِكَ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلْنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْراً مَّقْضِيّاً } * { فَحَمَلَتْهُ فَٱنْتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً }

{ قال كذلك قال ربُّك هُو علىَّ هينْ } هذا إبطال للاستبعاد وتقرير التحقيق. وتقدم كلام فى مثل هذا أو لا يبعد أو يجعل هنا كذلك مبهما وقال: ربك إلخ تفسير له، ويكون الأمر كذلك تصديقاً للاستبعاد أو الأمر كما وكدت تحقيقاً له، وقال ربك إبطال للبعد، وتقرير للتحقيق، ومقول القول الثانى هو: { علىَّ هيِّن } وإِن رد القول لما قبله قدر، قال هو علىَّ هيِّن، لأن جبريل لا يقول هو علىَّ هَيِّن.

{ ولنجْعَلهُ آيةً للنَّاسِ } أى وفعلنا ذلك، أو قضينا ذلك لنجعله آية للناس، أى لنجعل ذلك الفعل أو القضاء أو الغلام، أو وهب الغلام، أو لنجعله آية لها وبرهاناً، ولنجعله آية للناس كلهم آو المؤمنين، كما لابْن عباس يستدلون به على كمال قدرتنا، أو لنبين به عظم قدرتنا ولنجعله آية أو يعطف لنجعله على لأَهَبَ بالهمزة بلا التفات، أو على لأهب بالياء على طريق الالتفات من الغيبة الى التكلم، وفى الوجهين بعد تبين المتعاطفين.

{ ورحمةً } عظيمة { منَّا } يهتدون بهداه { وكان } ذلك { أمراً مقْضياً } محكماً قضى به فى الأزل أو المعنى أنه كتب فى اللوح أو اقتضته الحكمة، ورحمتنا الواسعة، والجملة تذييل لهبة الولد، وما يتعلق بها، ولجعله آية ورحمة، فاطمأنت إلى قول البشر السوى، فدنا منها فنفخ فى جيبها، فدخلت النفخة فى جوفها، فكان ما ذكر الله عز وجل فى قوله:

{ فحملته } وقيل نفخ من بعيد، فوصل النفخ جوفها كما روى عن ابن عباس، وقال ابن جريج: فى كمها، وقيل فى ذيلها، وقيل فى فيها، وسنها ثلاث عشرة حينئذ، وعن وهب ومجاهد: خمس عشرة، وقيل: ست عشرة، وقيل: أربع عشرة، وقيل: اثنتا عشرة، وقيل عشر، وكان الحمل بعد حيضتين، وقال محمد بن الهيصم رئيس الكراهية الهيصمية: لم تحض كما قيل: إنها مطهرة البتة، ومدة حملها تسعة أشهر أو نحوها على المعتاد، كما روى عن ابن عباس، ومحمد الباقر، إذ لو خالفت ذلك لذكر فى غرائبها المذكورة فى السورة، وقيل ساعة واحدة، كما دل له التعقيب على ظاهره بلا تأويل فى قوله:

{ فانْتَبذتْ به } أى اعتزلت، وهو فى بطنها، والباء متعلق بانتبذت أو بحال محذوفة وجواباً كوناً عاماً أى ثابتة معه، أو جوازاً كوناً خاصاً، أى ملتبسة به، ويدل أيضاً لكونه ساعة أنها محل الرحمة مع ذكر الرحمة قبل، ولو طالت المدة لطال عتاب الناس لها، أن ظهر حملها، ويدل له أيضاً قوله تعالى:إنَّ مثل عيسى عند الله } [آل عمران: 59] الخ إلى قوله:ثم قال له كن فيكون } [آل عمران: 59] المقتضى للسرعة، ولو بقيت طينة آدم مدة طويلة.

السابقالتالي
2