الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ ٱنتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِياً } * { فَٱتَّخَذَتْ مِن دُونِهِم حِجَاباً فَأَرْسَلْنَآ إِلَيْهَآ رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً } * { قَالَتْ إِنِّيۤ أَعُوذُ بِٱلرَّحْمَـٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّاً } * { قَالَ إِنَّمَآ أَنَاْ رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلاَماً زَكِيّاً }

{ واذْكُر } يا محمد للنَّاس { فى الكتابِ } فى هذه السورة، إذ صدرت بقصة زكرياء المستتبعة لقصة مريم، وقصص الأنبياء، كما تناسبت هذه السورة، وسورة الكهف فى الاشتمال على عجائب من أصحاب الكهف والجنتين، وقصة موسى والخضر وذى القرنين، وولادة يحيى وعيسى، ولا سيما ما قيل: إن أصحاب الكهف من قوم عيسى، وإنهم يبعثون ويحجون معه، والجمهور على أن الكتاب القرآن وهو المتبادر.

{ مَرْيَم } أخبار مريم { إِذْ انْتَبَذَتْ } اعتزلت، قيل متعلق بأخبار الذى قدرته مضافاً لمريم، وقدر أبو حيان واذكر مريم، وما جرى إذ انتبذت، وهو أولى، لأن جرى أدل على الحديث من الأخبار جمع خبر، أو نبأ إن قدر بل لا يجوز تقدير نبأ أو أخبار، لأنه لا أخبار وقت الانتباذ، فلو قدر حوادث مريم لكان أولى لاختصاره، وظهور الحدث، وقيل: حال من نبأ المضاف لمريم أى اذكر نبأ مريم ثابتاً إذ انتبذت، وفيه أنه لم يثبت حين انتبذت كما مر، ويجوز أن يكون بدل اشتمال، ولو كان الزمان لا يخبر به عن الجثة، ولا توصف به ولا يجىء حالا منها، وقيل: بدل مطابق، وفيه أن وقت الانتباذ غير مريم وغير نبئها، والقول بأن إذ حرف مصدر على معنى التعليل أى لأن انتبذت تخليط.

{ من أهْلها مكاناً شرقياً } متعلقان بانتبذت، وقيل مكاناً مفعول به لتضمن انتبذت معنى أتت، والمراد مكاناً شرقياً من بيت المقدس، أو من دارها تختلى به للعبادة، معتزلة عن الناس، وقيل قعدت فى مشرفة لتغتسل من الحيض متحجبة بحائط أو جبل عند ابن عباس، وبثوب عند بعض، وذلك كما قال الله عز وجل:

{ فاتَّخذَت مِنْ دُونِهِمْ حجاباً } وكون المكان شرقياً اتفاقى لا قصد لها ولا تفضيل لعنة الله على النصارى، كتب الله عليهم الصلاة إلى الكعبة، والحج فما صرفهم عن ذلك إلا انتباذها من أهلها مكاناً شرقياً كما، أخرجه أن ابن أبى حاتم، عن ابن عباس، فجعلوا المشرق قبلة.

وروى أنهم كانوا فى زمان عيسى يستقبلون بيت المقدس، وما استقبلوا الشرق إلا بعد رفعه، وروى أنهم زعموا أنه ظهر لبعض كبرائِهم، فأمره بذلك، ويجوز أن الله اختار لها الشرق بقصدها أو بدونه، لأنه مطلع الشمس والقمر وغيرهما من الأنوار الحسية المطابقة للنور العقلى، وروى أن الشرق موضعها فى المسجد إذا طهرت، وإذا حاضت تحولت إلى خالتها، أتاها ملك فى صورة شاب أمرد، وضىء الوجه، حسن شعر الرأس، وذلك قوله عز وجل:

{ فأرسلنا إليها رُوحَنا } جبريل عند الجمهور، سمى روحاً لأن الدين يحيا، والإِضافة للتشريف أو لحب الله إياه كما تقول لمن تحبه: هو روحى، وفى هذا أيضاً تشريف، أو لأنه من المقربين الذين لهم روح وريحان، وقيل: هو عيسى كقوله تعالى فى عيسى:

السابقالتالي
2 3