الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ مِنَ ٱلْمِحْرَابِ فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُواْ بُكْرَةً وَعَشِيّاً } * { يٰيَحْيَىٰ خُذِ ٱلْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ ٱلْحُكْمَ صَبِيّاً } * { وَحَنَاناً مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيّاً }

{ فخرج على قَوْمه من المحْرابِ } خرس لسانه عن أن يتكلم للناس أو من المغرب، وأصبح فخرج على قومه من المحراب، أى المصلى أو الغرفة، وأصله مجلس الأشراف الذى يحارب دونه ذباً عن أهله، فسمى محل العبادة محرابا، لأن العابد يحارب الشيطان فيه، ولم يكن المحراب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا ينتظرونه أن يفتح لهم الباب ليصلوا، فخرج متغير اللون وقالوا: مالك.

{ فأَوْحى إِليهم أنْ سَبِّحوا بُكرةً وعشياً } أشار إليهم كما يدل له قوله تعالى:إلاَّ رمزاً } [آل عمران: 41] أو كتب لهم على تراب الأرض كما روى عن ابن عباس أو على ورقة، كما روى عن عكرمة كقول عنترة:
كوحى صحائف من عهد كسرى   فأوحاها لأعجم طه طمطمى
وقول ذى الرقة:
سوى الأربع الدهم اللواتى كأنها   بقية وحتى فى بطون الصحائف
وأن تفسيريه بلا تقدير، قيل: أو مخففة بتقدير الباء، وسبحوا صلوا، كما روى عن ابن عباس سمى الصلاة باسم بعضها، وهو التسبيح فيها، وبكرة وقت صلاة الفجر، وعشياً وقت صلاة العصر، فالتسبيح الصلاة فى الوقتين على الكيفية التى أمر بها، ولم يتعبدوا بالصلوات الخمس، أو التسبيح ذكر الله وتنزيهه، أمروا أن يسبحوا شكراً للنعمة كما أمر، أو المراد استغراق اليوم بالذكر، وذكر طرفى اليوم فقط، أو خص التسبيح لأنه من ير أمراً غريباً يقل سبحان الله تعالى سبحان الخالق جل جلاله، ومثل هذا، أو أخبر قومه قبل طلب العلامة بما بشر به، ولما تعذر عليه الكلام أشار إليهم بحصول ما بشر به، فسروا لذلك، ولما ولد وبلغ سناً مثله فيه قلنا يا يحيى كما قال:

{ يا يحيى خُذ الكتابَ } التوراة المعهودة، أو صحف إبراهيم، أو كتاباً خص به، وأل للعهد الحضورى، أو جنس الكتب المنزلة، ولما يأت الإنجيل { بِقوَّة } بخذ منك فى قراءته والعمل به، والأمر به، وعن أنس: القوة الدرس بجد ومواظبة، وفى الأمثال: عليك بالدرس فإن الدرس هو الغرس، قيل لعبد الله بن عباس: بم نلت العلم؟ فقال: بلسان سئول، وقلب عقول، وفؤاد غير ملول، وكف بذول، وبدن فى الضراء والسراء صبور، وقيل لبزرجمهر: بم نلت؟ فقال ببكور كبكور الغراب، وتملق كتملق الكلب، وتضرع كتضرع السنور، وحرص كحرص الخنزير، وصبر كصبر الحمار، وقال بعض: إن القائل: { يا يحيى خذ الكتاب بقوة } أبوه لما ترعرع قال له أبوه ذلك، ولا دليل فى الآية عليه، فلا تحمل عليه، ويزيده بعداً قوله تعالى:

{ وآتيناه الحُكْمَ صبياً وحناناً من لدنَّا وزكاة } فإن الأنسب أن يكون قائل هذا هو قائل: { يا يحيى خذ الكتاب بقوة } وذلك فى ذاته من الجائز، فيكون آتيناه الحكم عطفاً على ما قبل: يا يحيى، لكن أى دليل على إدخال الأب فى ذلك، فالقائل الله والعطف على قلنا المقدر، والحكم الفهم والعبادة.

السابقالتالي
2