الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْماً لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً } * { قَالُواْ يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَىٰ أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً }

{ حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ } الجبلين، يسمى الجبل والحاجز سدًّا، لأنه سد فجًّا من الأرض، أو سميا سدين لأنهما جاورا السد الذى بناه، فباعتبار ذلك بعد بنائه على ظاهره، وباعتباره قبل بنائه من مجاز الأوْل، والسد بالضم الشئ الحاجز، وهو قول الخليل وسيبويه أنه الاسم، وقول ابن إسحاق إنه ما رأته عيناك، وقول عكرمة وأبى عمرو بن العلاء، وأبى عبيدة: إنه ما كان من خلق الله، والمفتوح عمله، وهو قول الخليل وسيبويه أنه المصدر، وقول ابن إسحاق إنه ما لا تراه عيناك، لأن العمل لا يرى، وإنما يرى العامل.

وقول عكرمة وأبى عمرو وأبى عبيدة: إنه عمل البشر، وأجاز الكسائى الفتح فى الحاجز، كما تدل له قراءة الفتح، وبين مفعول لبلغ أو يقدر بلغ ما أراده بين السدين، وهما فيما يقرب من عرض تسعين فى منتهى الشمال، وقد وصل إليها رجل بأمر الواثق بزاد، وأمر بمراعاة من يصلهم من أهل المالك إياه حتى يصله، وأعانه فى ذلك صاحب السرير، وهو سلطان المسقو، وجرى فى أرض منتنة وأنفذوا معه رائحة لا بد منها لداخل تلك الأرض، ووصل ووجد عنده قومًا يقرءون القرآن، ولغتهم عربية، ووجد هناك بقية ما يبنى به من لبن الصخر المنجور، والحديد وراءه طرائق ولا بأس بذلك، وثقات المؤرخين ضعفوه وكذبه بعض المحققين.

وروى ابن جرير، وابن مردويه عن أبى بكرة الشعبى أن رجلا قال: يا رسول الله، قد رأيت سد يأجوج ومأجوج قال: " انعته لى؟ " قال: كالبُرد المحبر طريقة حمراء، وطريقة سوداء، قال: " لقد رأيته " والظاهر أنه رآه فى اليقظة لا النوم، وقولهم: إنهم يقرءون القرآن، وأن لغتهم عربية يرده قوله تعالى:

{ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً } لأن الذين لغتهم ذلك بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعد بناء السد، وما ذكره الله قبل بنائه، لا يكادون يفقهون قولا من لغة ذى القرنين وجنوده لغرابة لغتهم، وقلة فطنتهم، وأجاز بعض أن يكون القول الفهم مطلقاً، ولو بالإشارة أو ما من شأنه أن يقل ليشمل الإشارة ونحوها، ونفى كاد كغيرها، فمعنى كاد يفعل قرب أن يفعل، ومعنى ما كاد يفعل ما قرب أن يفعل، وقد يفعل بعد قربه، وقد لا يفعل، ودونهما ما يلى غير أرض يأجوج ومأجوج، والقوم الترك أو غيرهم.

قيل: سمى الترك لأنهم من داخل ما سد غابوا فسد المحل عنهم لا قوم من الجن كما قيل، والمراد على كل حال بكونهم، لا يكادون يفقهون تعسر فهمهم جداً لا امتناعه بالكلية، لقوله تعالى:

{ قَالُوا } أى ولو بإشارة، ويحتمل أنهم قالوا بواسطة مترجمهم ممن جاورهم ويقرب له الفهم عنهم على التجوز فى الإسناد، ويدل له أن فى صحف ابن مسعود وقال الذين من دونهم أو أفهمه الله عز وجل كلامهم، فيكون ذلك من الأسباب التى هيَّأها الله له.

السابقالتالي
2