الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَمَّا ٱلْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي ٱلْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَآ أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِـع عَّلَيْهِ صَبْراً }

{ وَأَمَّا الْجِدَارُ } الذى أقمت { فَكَانَ لِغُلاَمَيْنِ } أصرم وصريم { يَتِيمَيْنِ } مات أبوهما وهما غير بالغين، ويتم الآدمى بموت الأب، وابن أمة أمه، والحيوان بموتها، والطير بموتهما، وفى الحديث: " لا يُتم بعد بلوغ " ولا دليل على أنهما بالغان، وأنهما سميا يتيمين باعتبار ما مضى.

{ فِى الْمَدِينَةِ } هى القرية المذكورة فيما مرّ، ذكرت هنا بلفظ المدينة إِظهارًا للاعتداد بها لصلاح أبوهما وليتمهما.

{ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا } تحت أساسه الذى بنى عليه، وذلك أحفظ له، وحقيقة للتحتية، وأما جانبه مما يليه فدون ذلك فى الحفظ، ومجاز وهو مال مدفون من ذهب وفضة، كما فى البخارى فى التاريخ، والترمذى والحاكم، وصححه من حديث أبى الدرداء، وبه قال عكرمة وقتادة.

وأصل كنز مصدر استعمل بمعنى مكنوز ولا يخفى أنه حل لمن تقدم الكنز، وأنه حرم علينا، وهو من حلال لأن أباهما كما وصفه الله صالح، والمذموم من الكنوز ما لم تؤد منه الحقوق، وقد قيل: إنه لا يقال لما أديت منه كنز شرعًا قال صلى الله عليه وسلم: " كل مال لا تؤدى زكاته فهو كنز " فنقول: المراد هو الكنز المذموم فى براءة، وما أديت منه فليس كنزاً مذمومًا، بل كنز حلال، ومن قال الكنز حرام مطلقًا قال إنه حلال من قبلنا إن كنا نؤدى حقوقه.

روى الطبرانى، عن أبى الدرداء: أُحلت لهم الكنوز، وحُرِّمت عليهم الغنائم، وأُحلت لنا الغنائم وحُرِّمت علينا الكنوز، ومثله لعبد الرزاق، وابن المنذر، وابن أبى حاتم، عن قتادة قد يعجبنّ الرجل فيقول: ما شأن الكنز حل لمن قبلنا وحُرِّم علينا فإن الله تعالى يحل من أمره ما يشاء ويحرم ما يشاء، وهى السنن والفرائض، تحل لأمة وتحرم على أُخرى، وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس أنه ما كان من ذهب ولا فضة، ولكنه كان صحف علم.

وروى هذا أيضاً عن ابن جبير، وأخرج ابن مردويه من حديث علىّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والبزار على أبى ذَرّ كذلك، والخرائطى عن ابن عباس موقوفًا أنه كان لوحاً من ذهب مكتوبًا فيه: عجبت لمن يؤمن بالقدر كيف يحزن، وعجبت لمن يؤمن بالرزق كيف يتعب، وعجبت لمن يؤمن بالموت كيف يفرح، وعجبت لمن يؤمن بالحساب كيف يغفل، وعجبت لمن يعرف الدنيا وتقلبها كيف يطمئن إليها، لا إِله إِلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وعن عطاء عن ابن عباس أنه مكتوب فى الوجه منه: بسم الله الرحمن الرحيم عجبت إلخ، وفى وجه: أنا الله لا إله إلا أنا وحدى لا شريك لى، خلقت الخير والشر، فطوبى لمن خلقته للخير، وأجريته على يديه، وويل لمن خلقته للشر، وأجريته على يديه ولا يجمع بأن الكنز كان ذلك كله، لأنه خلاف الظاهر، ولأن ابن عباس قال: ما هو من ذهب ولا فضة.

السابقالتالي
2 3