الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ أَمَّا ٱلسَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي ٱلْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَآءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً }

{ أَمَّا السَّفِينَةُ } التى خُرقت { فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ } عشرة ضعفاء فى النفس لا يردون ظالمًا عنهم، وخمسة منهم ضعاف بدناً بالمرض اللازم لهم، سواء كانوا ذوى مال أم لم يكونوا، فلا حجة فى الآية لمن يقول: إن المسكين من له شئ لا يكفيه، ولا على من يقول إن المسكين لا يملك شيئًا أصلا، لأن هذه السفينة عاريّة فى أيديهم، أو يعملون فيها بأجرة لكن الظاهر أنها لهم، فالمسكين من له ما لا يكفيه، ويمكن أن ينزلوا منزلة ما لا شئ له أصلا.

{ يَعْمَلُونَ } بها { فِى الْبَحْرِ } لمعيشتهم، وإِسناد العمل إليهم حكم على المجموع، لأن العمل للخمسة الأصحاء فقط لا للخمسة الزمنى أيضا، أَو لأن عملهم عمل الزمنى أيضا لشركتهم.

{ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا } بالخرق فقط، لئلا يرغب فيها الملك المتغلب عليهم، فيأخذها، لأنه لا يأخذ المعيبة، ولم أرد إِغراق من فيها كما توهمت أو تخوفت، وذلك لغلبة القيام بالحكم الظاهر عليه، ولذلك لم يقل فأعبتها، وهذا على أن اللام فى { لتغرق أهلها } تعليل، وعلى أنها للعاقبة يكون المعنى أردت أن أعيبها فقط، ولم أرد وجهاً يوصل إِلى الإغراق بعد.

{ وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ } معنى الوراء هنا للتغلب، هكذا لا خلف ولا قدام كما تقول: كيف أقيل ومن ورائى مسير نصف يوم إلى البلد الذى توجهت إليه، تريد الشدة، لا قدام ولا خلف وقيل بمعنى أمام كما قرأ به ابن عباس تلاوة أو تفسيراً، أو وراء اسم للجهة التى يوارى بها الشخص من خلف أو قدام، وقيل: هو مصدر إِذا أضيف إِلى الفاعل أريد به المستور، وإِذا أضيف إِلى المفعول أريد به الساتر، ويرده: { ارجعوا وراءكم } فإنه أضيف إِلى المفعول، والمراد به الخلف وهو المستور.

وقيل: الملك خلفهم يدركهم ويمر بهم، أو يكون رجوعهم عليه، واسمه هدد ابن بدر، وقيل: جلندى بن كرك ملك غسان، وقيل مضواد بن الجلندى بن سعيد الأزدى، وكان بأندلس، وفيه أن هذا فى عمان لا فى المغرب إلا إن ملكها فى الجاهلية.

{ يَأْخُذُ } لنفسه تملكًا، وقيل يستعملها ويردها { كُل سَفِينَةٍ } صالحة، ولو كان يأخذ المعيبة أيضا لم يخرقها الخضر، وإنما خرقها لئلا يأخذها، وقرأ أبىّ كل سفينة صالحة تلاوة أو تفسيراً.

{ غَصْبًا } مفعول مطلق نوعى ليأخذ بتضمين معنى يغصب، والغصب نوع من الأخذ أو مفعول مطلق ليغصب محذوفاً، أى يأخذ كل سفينة غاصبًا لها غصبًا أو غصبًا حال بمعنى غاصب، ومصاحب غصب فغصبا مفعول مطلق مؤكد.

وعن الربيع بن أَنس: أن الخضر بعد أن سلمت من الملك الكافر قال لأصحابها: أردت لكم الخير، وإن كان يكسر فشكروه، وأصلحها لهم كما كانت، وموسى حاضر للقول والإصلاح، والله أعلم بصحة ذلك.

وقدم فأَردت أن إعيبها على وكان وراءهم ملك إلخ لئلا يتوهم أن ضمير النصب فى أعيبها لكل سفينة لقربه، لكن توهما ضعيفا، ولأن اعتراض موسى فى خرقها الذى يعيبها وللإيذان بأَن السبب الأقوى فى عيبها بالخرق وهو المسكنة لا الغصب، فإنه ليس يمنع عن الملك السفن مطلقا، والله أعلم.