الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ فَٱنطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَآ أَتَيَآ أَهْلَ قَرْيَةٍ ٱسْتَطْعَمَآ أَهْلَهَا فَأَبَوْاْ أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً } * { قَالَ هَـٰذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْراً }

{ فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ } تلمسان وأهلها أشحاء إِلى الآن، وقيل: قرية فى الجزيرة الخضراء من أندلس، روى القولين بعض المشارقة، ولعل المراد أنها قرية فى أرض هذه العدوة، تقابل الجزيرة الخضراء من عدوة أندلس، وقال الجمهور: القرية أنطاكية وهو مروى عن ابن عباس رضى الله عنهما.

وروى ابن أبى حاتم من طريق قتادة أنها برقة، وهى على المشهور فى المغرب الأدنى إِلى المشرق، وقيل: قرية بأرض الروم، وأخرج ابن أبى حاتم، وابن مردويه أنها باجروان، فاختار بعض أنها بنواحى أرمينية.

وأخرج ابن أبى حاتم، عن محمد بن سيرين: أنها أبلة بشد اللام، وقيل: ناصرة على الساحل، تنسب إليها النصارى، ولا يوثق بشئ من ذلك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أتيا أَهل قرية لئامًا ".

{ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا } نعت قرية، وجواب إِذا: { قال لو شئت لاتخذت عليه أجراً } وقال أبو البقاء وغيره: جواب إذا هو قوله: { استطعما } وقوله: { قال لو شئت لاتخذت عليه أجراً } مستأنف، والمختار أنه نعت، وجواب إذا { قال لو شئت } إلخ ولم يقل استضافا لأنهما أرادا مطلق الإِطعام، وبما أمكن لا خصوص الإضافة، والميل إلى بيت أحد.

ورأيت منذ خمسين عامًا فى زمان الشبيبة أبياتًا للصلاح الصفدى يسأل فيها السبكى، وهى فى شرح الدمامينى على المغنى، الذى ألفه فى الهند الذى يقول فيه: قال أقول أبياتًا فى السؤال عن تكريم ذكر أهل إذ لم يقل فانطلقا حتى إِذا أتيا أهل قرية استطعماهم ونصها:
أسيدنا قاضى القضاة ومَن إِذا   بدا وجهه استحى له القمران
ومَن كفُّه يوم النَّدَى ويراعه   على طِرسه بحران يلتقيان
ومَن إن دجت فى المشكلات مسائل   جلاها بفكر دائم اللمعان
رأيت كتاب الله أفضل معجز   لا فضل مَن يهدى به الثقلان
ومن جملة الإعجاز كون اختصاره   بإيجاز ألفاظ وبسط معان
ولكننى فى الكهف أبصرت آية   بها الفِكر فى طول الزَّمان عنانى
وما هى إلا استطعما أهلها فقد   ترى استطعماهم مثله ببيان
فما الْحِكْمة الغرَّاء فى وضع ظاهر   مكان ضمير إن ذاك لشانى
فأرشد على عادات فضلك حيرتى   فما لى لها عند البيان يدان
فأجابه السبكى: بأن استطعما أهلها نعت لقرية لا جواب لإذا، لأن كونه جوابًا لإذا يوهم أن قصدهما كله أو معظمه الأكل، وليس كذلك بل قصدهما كله إظهار عجائب إعظاما لله عز وجل، ولا نعت لأهل لأنه يوهم أن القصد بيان حال الأهل، من حيث هم هم، ولا يكون للقرية أثر فى ذلك، وليس كذلك فإنا نجد بقية الكلام مشيراً إليها نفسها.

قلت: فى هذا التعليل نظر، لأن أهلها جرى لهم ذكر فى قوله: { استطعما أهلها } ، وفى قوله: { أبوا أن يضيِّفوهما } بل وفى قوله: { لاتخذت عليه أجراً } لأن أخذ الأجر عنهم لا عن قريتهم ولا فرق بين جريان الذكر للقرية، ولهم فى أن ذكر إحداهما بالذات، والأخرى بالعرض، وأجاز الأوجه الثلاثة، واختار نعت القرية، وأجاز كون الأهل الثانى غير الأول، أو بعضا من الأول، وبعضا من غيره فكان الأظهر فإن من أتى قرية يلتقى أولا ببعضهم، ثم بالبعض الآخر، فقد تشير الآية إِلى أنهما استقصياهم أو جلهم فأبوا، وللبقاع تأثير فى الطباع.

السابقالتالي
2 3 4 5