الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُواْ شُرَكَآئِيَ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقاً }

{ وَيَوْمَ يَقُولُ } الله للكفار، والعطف على يوم، والقول بخلق الكلام حيث شاء كالجوار، وبواسطة ملَك { نَادُوا } للإغاثة { شُرَكَائِىَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ } زعمتموهم شركائى كقوله: زعمتنى شيخًا، أو زعمتم أنهم شركائى، وهو الكثير الوارد فى القرآن، والمعنى شركائى فى الألوهية والعبادة.

ويجوز أن يكون شركاء بمعنى شفعاء، سمَّاهم شركاء لمعنى أنهم يسعون فيما لم يرد الله، وهذا إشراك وهو دعوى أنهم يمنعونهم من عذاب الله الموجه إِليهم، وأضافهم لنفسه على زعمهم للتوبيخ، والمراد كل ما أشركوا أَو إبليس وذريته.

{ فَدَعَوْهُمْ } نادوهم ليغيثوهم بالتنجية من العذاب، ولا يظهر أنهم نادوا الأصنام، لمعرفتهم بأنها لا تجيبهم، ولو دخلت فى أمر الله لهم بالدعاء لما عبدوا تبكيتاً لهم، بل دعوا من عَبَدُوا من الجن أو الإنس أو الملائكة.

{ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ } لم يغيثوهم إذ قالوا:إِنَّا كنا لكم تبعًا فهل أنتم مُغْنُونَ عنَّا نصيبًا من النار } [غافر: 47] أو أنجونا البتة لأنا عبدناكم جدا، وعدم الاستجابة ظاهر، ومع ذلك ذكره الله عز وجل تهكماً بهم، وإيذانا بحمقهم حتى إنهم لا يفهمون إلا التصريح.

{ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا } جعلنا بين الكفار وآلهتهم موضع وبق، أى موضع هلاك يشتركون فيه، وهو النار فمعنى البيئة الاشتراك، وموبقًا اسم مكان، وقيل: الموبق وادٍ فى جهنم يجرى بالدم والصديد. وعن عكرمة نهر فى النار يسيل ناراً، على حافتيه حيات كالبغال الدُّهم إذا ثارت إليهم التجأوا إلى الوقوع فى النار منها، وقيل: الموبق المحبس، أو المعنى حاجزاً بينهم وبين نفع ما عبدوه من دون الله عز وجل لهم، أو جعلنا بين فريقين: الفريق الأول عيسى والملائكة المعبودون، ويكونون فى الجنة، والفريق الثانى المشركون وأصنامهم، ويكونون فى النار، وهى موبق بين الفريقين، أو موبقًا مصدر ميمى بمعنى عداوة عبَّر عنها بالهلاك، لأنها سببه وملزومه، أو لأنها تؤول إليه، كما يقال لا يكن بغضك تلفًا، بمعنى لا تشتد فيه حتى يجر إلى التلف، كما قال عمر رضى الله عنه: لا يكن حُبّك تلفاً، ولا بغضك تلفًا.

وبين ظرف مفعول ثان، وموبقا أول متعلق بجعلنا بمعنى خلقنا، وموبقا مفعول به له، ويجوز أن يكون البين بمعنى الوصل من الأضداد، بمعنى جعلنا تواصلهم فى الدنيا هلاكاً يوم القيامة، أو عداوة فيكون بينهم غير ظرف مفعولا أول، وموبقا ثانيًا.