الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُوۤاْ إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ ٱلْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً } * { مَّآ أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَلاَ خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ ٱلْمُضِلِّينَ عَضُداً }

{ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ } كلهم، وقيل: ملائكة الأرض، وقيل: الملائكة غير المهمين { اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا } كلهم { إِلاَّ إِبْلِيسَ } السجود لآدم خضوع له وتعظيم، أو كسجود الصلاة لله تعالى، لكن إِلى جهة آدم وهو قبلة لهم، وفيه تعظيم له أيضا، واستثناء إبليس متصل، لأنه قيل إما ملك خلق من نار، ثم نسخ إلى صورته الجِنِّيَّة، وعَقَب، ولو نسخ بخلاف سائر ما نسخ فإنه لا يعقب، بل يخلق الله عز وجل مثله، وهذا القول ضعيف، وإما لأنه ولو لم يكن منهم إلا أنه نشأ فيهم، وكساه كسوتهم كأنه واحد منهم، وهو أول الجن وأبوهم، وقيل: كان الجن قبله وولد منهم، عصوا الله بعد العبادة، فأمر الله الملائكة فقاتلوهم وطردوهم إلى البحور والشعاب، وقيل: أهلكهم الله تعالى كلهم وبقى بعدهم ينسل كأولاد نوح، وسبوه صغيراً إلى السماء فتعبّد فيهم، وكان رئيسهم لاجتهاده فى العبادة أكثر منهم، وما ترك موضع شبر فى السماوات والأرض إلا سجد فيه.

والواضح أن الاستثناء منقطع، وكررت قصة أمره بالسجود لآدم فى مواضع بحسب ما يناسب كل موضع، فهنا ذكر ليشير إِلى أن صاحب الجنتين متبع لإبليس فى تكبُّره وكفره ورغبته فى الدنيا، وأن صاحبه المؤمن متبع لآدم والملائكة فى طاعة الله، والاتضاع والزهد، وهكذا سائر ما يكرر فى القرآن، وفى تكرير قصة السجود تذكير لنا بعدونا القديم لئلا نغفل، والملائكة كلهم معصومون، وزعم بعض أن ملائكة الأرض غير معصومين، وأن إبليس منهم.

{ كَانَ مِنَ الجِنِّ } حال بإضمار قد، أو استئناف لبيان أنه ليس من الملائكة، وأنه لو كان منهم لم يعص، لأنهم معصومون، وقيل: الجن نوع من الملائكة يمكن منهم العصيان، وهو قول باطل،وزعم بعض أن الجن فى الآية ملائكة يصوغون الحلى لأهل الجنة.

{ فَفَسَقَ } بسبب كونه من الجن، لأن العطف على كان إلخ وقيل: الفاء تعليل لقوله إلا إبليس، وعندى يجوز كون الفاء سببية ولو بلا عطف وإباؤه من السجود يعتبر سببًا لاتصافه باسم الفسق، أو هو سبب لسراير فسقه بعد.

{ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ } خرج عنه لأنه غير ملَك كما يعصى الأدمى، وكما يعصى الجن، بل يعصى جلهم، وأمر بالسجود فى جملة الملائكة فلم يسجد، وأمر الملائكة ونهيهم أمر له، ونهى له، إذ كان مغموراً فيهم، وعن للمجاوزة على أصلها، لأن المعنى مائل عن أمر ربه، ومعرض عنه، ولا حاجة إلى جعلها سببية، وإلى أن الأمر بمعنى المشيئة، لأن المشيئة لله لا تتخلف، وكذا إرادته، والتحقيق أنه تخلف عما أمر به، وعصى أمر ربه بمعنى ما أمر به من السجود.

نعم يجوز على خلاف الأصل أنها سببية، وأن مشيئته التى فسرنا بها أمر ربه مشيئته التى بمعنى القضاء، وهى التى ذكرت أنها لا تتخلف، أى فسق بسبب قضاء الله عز وجل عليها بالخذلان.

السابقالتالي
2 3