الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ قَيِّماً لِّيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِّن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً }

{ قَيِّمًا } مفعول لمحذوف أى بل جعله قيما أو حال من الهاء، فيكون لم يجعل له عوجًا معطوفًا على جملة الصلة، أو قيما حال من الكتاب، على أن الواو فى ولم يجعل للحال لا عاطفة لئلا يلزم الفصل بين أجزاء المعطوف عليه، ومنها الحال بأجنبى، قال بعض المتقدمين: أصل الكلام أنزل على عبده الكتاب قيما، ولم يجعل له عوجًا معطوفًا على جملة الصلة، وكان حفص يقف وقفة خفيفة على عوجًا، فترحم عليه بعض لذلك، لأنها تدفع، أنها نعت لعوجًا.

ومعنى قيِّما مستقيم معتدل لا تشديد فيه، ولا ترخيص كلى، أو قيم بمصالح العباد الدينية والدنيويةما فرطنا فى الكتاب من شئ } [الأنعام: 38] كقائم الأطفال، أو المساجد أو الأموال، فالقرآن كامل فى ذاته، مكمل لغيره، أو قائما على كتب الله المتقدمة بالشهادة على ما زيد أو نقص فيها، أو غُيِّر أو حرف أو خاليا عن الرذائل حاليًا بالفضائل، وعلى تفسيره بالاستقامة والاعتدال يكون كالتكوير تأكيداً على عادة كلام العرب، فإن ما لا عوج فيه معتدل مثل قوله تعالى:محصنات غير مسافحات } [النساء: 25] فإن المحصنات غير مسافحات.

{ لِيُنْذِرَ } متعلق بأنزل، واختلف فى أفعال الله: هل تعلل بالأغراض والمانع يجعل اللام للعاقبة وهو المذهب ومفعوله الأول محذوف للعلم به، أى لينذر الله أو عبده أو الكتاب الكفار، والثانى قوله { بأْسًا } أى ضرًّا أو عذاباً ولا يختص بالشديد، فليس قوله: { شَدِيدًا } نعت تأكيد كما قيل، بل نعت تأسيس أن لا يقدر مفعول أول لينذر، بل له واحد، والأول لم يسق له الكلام، بل يكون المراد بالذات أن المنذر به هو بأسًا شديداً كما تقول: زيد يعطى الدنانير تبين لمن جهل ما يعطى، أو ترد على من قال الدراهم.

{ مِنْ لَدُنْهُ } من عنده، وقيل: هو أبلغ من عند وأخص متعلق بمحذوف وجوبًا نعت لبأسًا، أو حال من الضمير فى شديداً، أو جوازاً أى صادراً من لدنه { وَيُبَشِّرَ } قدم الإنذار على التبشير، لأن التخلية قبل التحلية، ولإظهار كمال الترغيب فى الزجر عن الكفر { الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ } أى بأن { لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا } هو الجنة لأجل إيمانهم وعملهم.