الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَٱجْعَل لِّي مِن لَّدُنْكَ سُلْطَاناً نَّصِيراً } * { وَقُلْ جَآءَ ٱلْحَقُّ وَزَهَقَ ٱلْبَاطِلُ إِنَّ ٱلْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً }

{ وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِى مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِى مُخْرَجَ صِدْقٍ } لما كان المقام المحمود مبنيًّا على الموت، ودخول القبر، والخروج منه، امره الله جل وعلا أن يقول يا ربى أدخلنى القبر إدخال صدق بأن أكون على رضاك، وأخرجنى منه عند البعث إخراج صدق على طبق رضاك، فألقى الكرامة، ومدخل ومخرج مصدران ميميان من أفعل لمفعولان مطلقان، ويجوز أن يكون الأول ظرفاً ميميا منه أيضاً أى موضع دخول صدق، والثانى مصدراً مفعولا مطلقا.

ويجوز أن يكون ظرفاً أى بأن يسمى القبر موضع خروج صدق، أو لما كادوا يستفزونه من أرض مكة أمره الله بالهجرة، وأن يقول: رب أدخلنى المدينة إِدخال صدق، وأخرجنى من مكة إخراج صدق، أو أدخلنى الغار إِدخال صدق، وأخرجنى منه إِخراج صدق، أو هما ظرفان كما مر، أو أمره الله جل وعلا أن يقول لفتح مكة: رب أدخلنى مكة مدخل صدق بالفتح، وأخرجنى منها إلى المدينة إخراج صدق، والظرفية جائزة.

وفسر بعض الصدق بالمرضى أو إخراج الصدق من مكة بالهجرة إخراجه مع أنه مخلص لله لا يلتفت قلبه إِليه، أو إخراجه منها عند الفتح السلامة من أذى المشركين، وكذا إِدخاله النار، وإخراجه منها سالمًا من أذاهم، ومما قد يكون فى الغار من السوء، على أن دخول النار بالوحى أو المراد إدخاله فى تبليغ الوحى وإخراجه بالموت، أو بانقضائه مؤدياً حقه، أو إدخاله له وإخراجه فى كل ما يحاوله من الدين، والمباح، وسائر أحواله.

{ وَاجْعَلْ لِى مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا } حجة قوية على من خالفنى، أو ملكاً قاهراً للكفر، أو كتاباً يحوى الحدود والأحكام، أراد إِتمام القرآن على ذلك، أو أراد التسلط بالسيف على أهل الشرك، وإِقامة الحدود على أصحابها، أو سلطاناً فى كل عصر يقيم الدين، وزعم بعض أنه فتح مكة.

{ نَصِيرًا } ينصرنى على من خالفنى والمشركين، وقال ودعا فى ذلك كله فاستجاب الله جل وعلا له، فإن حزب الله هم الغالبون، ليظهره على الدين كله، ليستخلفنهم فى الأرض، والله يعصمك من الناس، وملِّكه فارس والروم، ونصير صفة مبالغة أى كثير النصر، أو عظيمه، وإسناد النصر إلى السلطان مجازاً وبمعنى منصور، ويتقوى أن الدخول والخروج عند الفتح بقوله عز وجل:

{ وَقُلْ } عند دخول مكة بالفتح { جَاءَ الْحَقُّ } أى الإسلام، وهو شامل للقرآن والجهاد وعبادته سبحانه وتعالى { وَزَهَقَ البَاطِلُ } ذهب الكفر، استعمل لفظ المقيد وهو الذهاب المقيد بكونه ذهاب الروح فى مطلق الذهاب، واستعمل منه ذهاب الباطل، أو شبَّه ذهابه بذهاب الروح، فيبقى صاحبها ميتا لا فعل له، ورَمز إلى ذلك بلفظ الزهوق، الموضوع لذهابها.

{ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا } سبق القضاء بزهوقه، قال ابن مسعود رضى الله عنه: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح، وحول الكعبة ثلثمائة وستون صنما، فجعل ينكت فى عين كل واحد بعصى صغيرة فى يده ويقول: { جاء الحق وزهق الباطل } فينكب لوجهه، ويروى ينكت فى وجه صنم فيقع على قفاه، وفى قفا صنم فيقع على وجهه، مع أنها مثبتة بالرصاص والحديد، وبقى صنم لخزاعة من صفر أصفر، لا تناله العصا فوق الكعبة، فقال:

السابقالتالي
2