الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱسْتَفْزِزْ مَنِ ٱسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي ٱلأَمْوَالِ وَٱلأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً }

{ وَاسْتَفْزِزْ } استخفف، أى احملهم على الخفة، وأزعجهم، والأمر تهديد وكذا باقى هذه الأوامر، كما يأتى، ويبعد أن يكون لتعجيزه عن أن ينقص شيئًا من ملك الله عز وجل كما يأتى.

{ مَنِ اسْتَطَعْتَ } أن تستفزه { مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ } بدعائك إلى المعصية، كما قال ابن عباس رضى الله عنهما: وهو الوسوسة تارة، والنطق أُخرى، والغالب الأول وهو مجاز، وفى الثانى الجمع بينه وبين الحقيقة، وعبارة بعض بصوتك بدعائك بالغناء والمزامير، وكل ما يوصل إِلى المعصية، وعبارة بعض الغناء واللهو واللعب، أسكن آدم أولاد هابيل فى جبل وأولاد قابيل تحته وفيهم بنات حسان فزمر الشيطان تحته، فانحدر أولاد هابيل إِليهم للذة ذلك الصوت، فافترقوا، أول الأمر للتهديد كقولك: احتهد جهدك، فسترى ما ينزل بك ويبعد أن يكون لتعجيزه عن أن ينقص شيئًا من ملك الله عز وجل وكذا الأوامر الأربعة بعد هذا فى قوله:

{ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِى الأَمْوَالِ وَالأَوْلاَدِ } ومعنى أجلب صِح، والجلبة: الصوت، أى سقهم وتصرف فيهم بكل ما تريد، وخيلك الركاب كقوله صلى الله عليه وسلم: " يا خيل الله اركبى " إلا أن الآية تحتمل تقدير المضاف، أى برجال خيلك، كما جاز أن الخيل عبارة عن الركاب مجازاً مرسلا لعلاقة الجوار، وهذا متعين فى الحديث الخيل بمعنى الركاب ولا يقدر ركاب خيل لأنه قال اركبى، ولم يقل اركبوا.

وفيه مجاز عقلى أسند الركوب للخيل، لأنها آلة الركوب، وللجواز ويجوز أن يكون أجلب بمعنى جلب، أى جمع لوروده كذلك، فتكون الباء صلة فى المفعول به، والخيل اسم جمع لا مفرد له، ولو قيل مفرده خائل، وقال الأخفش فى مثله إنه جمع مثل صحب وركب وطير، والرجال خيالة، وهم راكبوها، والرجل جمع راجل أو اسم جمع له كما مر فى صحب ونحوه وهو الماشى على رجله، أى صِح عليهم بكل من تحت يدك من راكب وماش فى معصية أو اجمعهم عليهم.

ولا يخفى أن المراد بخيلك ورجلك، الكناية عن الأعوان لا حقيقة الراكب والماشى، ولو كان من الجائز أن يكون له جند بعضه راكب وبعضه ماش، وجند إِبليس يومئذ من الجن.

ويجوز أن يراد منهم ومن الإنس، لعلم الله بأنه سيكون ذلك، قال ابن عباس: له خيل ورجل من الجن والإنس، فمن قاتل فى معصية راجلا أو راكبًا، فهو من جنده، ويجوز أن يكون قوله: { واستفزز من استطعت منهم بصوتك، وأجلب } إلخ استعارة تمثيلية بأن شبه حرص الشيطان فى الإغواء، وأعماله بهذه فيه بحرص من حرص على الإغارة على الناس، وجمعه لها، ومعنى المشاركة فى الأموال أن يحملهم على كسبها من الحرام، ومنع حقها، وصرفها فى الحرام، كالزنى والفُجر والذبح للأصنام، وكسب السوائب والبحائر وتضييعها.

السابقالتالي
2