الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِٱلنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا ٱلرُّءْيَا ٱلَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَٱلشَّجَرَةَ ٱلْمَلْعُونَةَ فِي ٱلقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً }

{ وَإِذْ قُلْنَا لَكَ } واذكر إِذ قلنا لك بالوحى، أو بواسطة جبريل عليه السلام.

{ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ } علماً وقدرة لا يخرجون عما أراد، ولا يعجزه شئ فبلِّغهم ما أوحى إليك، ولا تخف؛ إن الله يعصمك من القتل، ولو كانوا يؤذونك بألسنتهم، والناس عام دخل فيه قريش، أو أريد به خاص، لأنهم المعاندون جدا الحاضرون أو أحاط بقريش أهلكهم يوم بدر، أى سيهلكهم يوم بدر، والآية مكية، وذكر ذلك بالماضى لتحقيق الوقوع بعد، كأنه وقع من قولك أحاط بهم العدو، وكقوله تعالى:وأحيط بثمره } [الكهف: 42] وهذا تبشير له صلى الله عليه وسلم.

{ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِى أَرَيْنَاكَ } فى المنام، احتج بهذا مَن قال الإسراء فى المنام، لا فى اليقظة، وهو مذهب أصحابنا، وقوم من غيرهم، وقيل: اليقظة لمبالغة الكفار فى التكذيب، ولو كان فى النوم لم يبالغوا تلك المبالغة، وإطلاق الرؤيا على رؤية اليقظة وارد فى لغة العرب قال الراعى:
وكبر للرؤيا وهش فؤاده   بوبش عظيم كان جمائلا
وأيضا سماها رؤيا مشاكلة لتسميتهم إياها رؤيا وجرياناً على زعمهم كما سمى الأصنام آلهة، وأيضاً يشبه ما فى المنام لكونه ليلا، وللسرعة، وخرق العادة حتى قال بعض مَن ضعف إيمانه للنبى صلى الله عليه وسلم: لعل ذلك يا رسول الله فى النوم، وحتى ارتد بعض من ضعف إِيمانه.

وقال بعض من قال الإسراء فى اليقظة أن الرؤيا هنا غير رؤية الإسراء، بل رؤياه فى المنام عام الحديبية دخل مكة، واعترض بأن الآية مكية والحديبية بعد الهجرة، وأجيب بأنه رأى فى مكة أنه سيدخلها بعد الخروج عنها، فحكى الرؤيا فى الحديبية، ولم يدخلوها للعمرة التى قصدوها، بل رجعوا على أن يدخلوها من قابل، فافتتن بعض حتى قال عمر لأبى بكر رضى الله عنهما: قد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا ندخل البيت ونطوف به، فقال أبو بكر: لم يقل ندخله فى هذا العام وسندخل فى عام آخر، ودخله من قال، ونزل:لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق } [الفتح: 27] وقيل: هذه الرؤيا التى فى سورة الإسراء رآها فى مكة فى شأن وقعة بدر أنها تقع بعد الهجرة، وسمع قريش ذلك فسخروا منه.

ويجوز أن يكون رأى فى المنام مصارع المشركين، وهو فى بدر أو قريب منه، فسمع المشركون الخارجون من مكة للقتال، فسخروا منه، قال: " والله لكأنى أنظر إلى مصارع المشركين، هذا مصرع فلان وهذا مصرع فلان " ولم يخطئ. وفى وقعة بدر نزل:إذ يريكهم الله فى منامك قليلاً } [الأنفال: 43] وقيل: هذه الرؤيا فى سورة الإسراء، هى أنه رأى فى نومه قومًا من بنى أمية يرقون على منبره وينزون عليه نزو القردة فقال:

السابقالتالي
2 3