الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ ٱلنَّبِيِّينَ عَلَىٰ بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً }

{ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِى السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ } هو أعلم من أنفسهم بهم، وبأحوالهم فيختار لنبوءته وولايته من يصلى، ولو كان يتيماً فقيراً، ولصحابته مَن يصلح لها، ولو حفاة عراة كما قال عز وجل:الله أعلم حيث يجعل رسالته } [الأنعام: 124] وكانوا يقولون: هو يتيم أبى طالب وأصحابه حفاة عراة جُوعلولا نُزِّل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم } [الزخرف: 31] وذلك كلام منهم منكر، وأفتى بعض المالكية بقتل قائلها، قال فى الشفاء: من قال يتيم أبى طالب قتل.

{ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ } كإبراهيم بالخلة، وموسى بالكلام، ومحمد صلى الله عليه وسلم بالإسراء، وداود بالزبور.

{ عَلَى بَعْضٍ } بالفضائل النفسانية، والعلوم الدينية لا بالمال وسعة لذلك، وكثرة الأصحاب وقوتهم، وعدم اليتم كما فضلنا محمداً صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأمته على سائر الأنبياء والأمم، كما قال عز وجل:ولقد كتبنا فى الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادىَ الصالحون } [الأنبياء: 105] وهم الأنبياء صلى الله عليه وعليهم وسلم وأمته ولذلك قال: ولقول اليهود لا نبى ولا كتاب بعد موسى والتوراة.

{ وآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا } فيه ذكر محمد صلى الله عليه وسلم وأُمته بأمر الدين كما أن فضل داود بالزبور، لا بما أوتى من الملك، وحُسن الصوت، وكثرة الأتباع، ولو كان بالمال وسعة الملك لكان سليمان أحق بالتفضيل، ولم يشهر أن داود ممن وصف بعظم حسن الصورة، والأمة خير الأمم، لكون نبيها خير الأنبياء، وكونها خير الأمم بنص القرآن وقد قيل بعض النبيين فى الآية هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

وزبوراً بمعنى مزبور أى مكتوب، أو عظيم الزبر كصبور، ويضعف أنه مصدر فىالأصل للتأكيد، كأنه نفس الزجر أو الكتابة، كالقبول بالفتح، لأن مفعولا الذى هو مصدر محصور فى ألفاظ قليلة، لم يذكروا فيها زبوراً، واسم كتاب داود زبور بدون أل، وإذا دخلت عليه أل كقوله تعالى:ولقد كتبنا فى الزبور } [الأنبياء: 105] فللمح الأصل، وإن قلنا اسمه الزبور بأل فزبور بدونها تلويح لأصله الذى هو نكرة، فجاء بصيغة التنكير للتعظيم، أو لأن المعنى قطعة منه، ذكر فيها فضل محمد صلى الله عليه وسلم وأمته على غيرهم، أو المعنى كتاب من الكتب، فزبور نكرة لا علم ذكر فيه محمد أو أصحابه، قيل: هو مائة وخمسون سورة أطولها قدر ربع القرآن، وأقصرها قدر سورة:إِذا جاء نصر الله } [النصر: 1] وهذا غير معهود بين الناس والمشهور خلافه، والله أعلم.

ولعل أهل الكتاب اختصروه، وليس فيه حلال ولا حرام، ولا فرض ولا حكم، ولا حد، بل مواعظ ودعاء لله، وتحميد وتسبيح، و فى جملة ما فيه: أنا الله لا إِله إِلا أنا مالك الملوك، قلوبهم بيدى، فمن أطاعنى جعلتهم له رحمة، ومن عصانى جعلتهم عليه نقمة، فلا تشتغلوا بسببهم، فتوبوا إِلىَّ لا إِليهم، أعطف قلوبهم عليكم.