الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً } * { أَوْ خَلْقاً مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ ٱلَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هُوَ قُلْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ قَرِيباً }

{ قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا أَوْ خَلْقًا } مخلوقاً { مِمَّا يَكْبُرُ فِى صُدُورِكُمْ } مما يعظم فى قلوبكم أن يكون قابلا للحياة، ويستبعدون جداً قبول الحياة فيه، ولا يُعلم أن جسما ما من الأجسام أبعد عن الحياة من الحديد ودونه الحجر، لأنه ينمو بالمشاهدة فيما يقطع، كحجارة الجبس، ولو قطعت مدن كثيرة من موضع واحد من جبل، لم يتبين فيه النقص الكثير مما هو مشاهد ولعل الإعراض أبعد فى قلوبهم فى قبول الحياة من الأجسام أو الذكر، لأنه يقطع الحديد إلا أنه يقبل الكسر أكثر من الحديد.

أو نقول: المراد ما تستكبره عقولكم، ولو كان أدنى فى البُعد من الحجارة والحديد، لأن المقام لإبكاتهم فى كل ما أرادوا من ذلك، وقدرته صالحة لكل ممكن، ولا سيما إحياء ما قد كان قبل حيا، فإنه عندكم أسهل مما لم تسبق حياته وعند الله سواه حتى إنه يكفّر مَنْ قال إنها أسهل مما لم تسبق فيه.

وعن مجاهد: الذى يكبر السماوات والأرض والجبال، وعن ابن عباس وابن عمرو والحسن وسعيد بن جبير: الأكبر الموت بمعنى لو كنتم نفس الموت لأحياكم مع أن الموت بضاد الحياة، والأمر للإهانة والتحقير، كقول موسى عليه السلام:ألقوا ما أنتم ملقون } [يونس: 80، الشعراء: 43] فلا يقتضى الوقوع جزما، لأنه معنى مجازى له لا يقتضى الحصول أو الأمر للتسخير على الفرض والتقدير، لأنه يكون حجارة أو حديداً، لأن التسخير يحصل فيه الفعل، كالكون قدرة كما قال التفتازانى، وكان بلفظ الكون، إذ لم يقل: صيروا، ولم يقل: قعوا، لمشاكلة قولهم: كنا، وقدم الحجارة على سبيل الترقى لأنها دون الحديد فى الصلابة، ولأنها تنمو كما مر، وهو جمع حجر كجمالة جمع جمل، جمعه لأنه خبر كونوا، واسمه ضمير جمع، وأفرد حديداً لمجانسة حديداً أو للتخيير أو للتسوية.

{ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا } أحياء رطبا بعد أن كنا موتى يبسا. والفاء للسببية، والتفريع على قوله: { قل كونوا.. } إلخ، الاستفهام للإِنكار، وأنكروا أولا البعث، وأنكروا هنا الباعث أى لا أحد يعيدنا.

{ قُل الَّذِى فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } من تراب لأبيكم، أو من نطف أى قل الذى يعيدكم، الذى فطركم أول مرة، وهذا أوفق للسؤال، أو الذى فطركم يعيدكم، أو يعيدكم الذى فطركم.

{ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ } يحركونها نحوك استبعاداً وتعجبا، إنكارا واستهزاء، أو قيل إنغاض الرءوس تحريكا باضطراب، وقال الفراء: تحريكها بارتفاع وانخفاض، وذلك استعارة تمثيلية، والماضى أنغض بهمزة التعدية والثلاثى لازم تقول ننغض رأسه أى تحرك.

{ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ } أى البعث أو إعادُنا مصدر أعاد كقوله تعالى: " وإِقام الصلاة " مضافاً لضمير المتكلم، ولإضافة قدر مذكراً، أو يجوز رد الضمير إلى الإعادة بالتاء، لأن الضمير العائد إلى ما ينسبك من الفعل، وحرف المصدر يذكر كما لا يؤنث له الفعل إذا لم يكن مميزاً، تقول: أعجبنى أن تقيم أى إقامتك، ولا تقول أعجبتنى بالتاء، وقيل: الضمير للعود وهو ضعيف، والمعنى صحيح، كأنه عجز قائله عما ذكرت.

السابقالتالي
2