الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُوراً }

{ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ } منكم { بِمَا فِى نُفُوسِكُمْ } فقد تتوهمون أنكم بارون بالوالدين، وليس كذلك، بل قد قصرتم أو ملتم إلى كراهتهما، واستثقالهما، ولم تعالجوا أنفسكم عن ذلك، وما نفوسكم للبر إليهما أو الكراهة أو للعقوق، فيجازى كلا على حسبه، والخطاب فى " ما " مفسر للعموم البدلى بالإفراد، وهنا بالجمع للعموم الشمولى كالبيان بأن المراد فيما غير مشخص، والآية وعد للموفى بحقهما، ووعيد وتهديد لمن قصر أو اضمر لهما ما يكرهان.

" قيل: يا رسول الله، هل بقى من بر أبوىَّ شئ أبرهما به بعد موتهما؟

قال: نعم الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإيفاء عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التى لا توصل إلا بهما، وإكرام صديقهما " وروى البخارى، عن أنس، عنه صلى الله عليه وسلم: " لا يزال العاق يدعو لوالديه بعد موتهما ويستغفر لهما حتى يكتبه الله باراً "

وروى الأوزاعى: من قضى دينهما، واستغفر لهما، كتب بارًّا ومَن برهما ولم يقض دينهما فهو عاق. وروى هو وابن أبى الدنيا، عن محمد بن النعمان، عنه صلى الله عليه وسلم: " من زار قبر أبويه أو أحدهما في كل جمعة غفر له وكتب باراً " وعنه صلى الله عليه وسلم أن " من أبر البر صلة الولد أهل ود أبيه " وعنه صلى الله عليه وسلم أن " من أحب أن يصل أباه فى قبره فليصل إخوان أبيه من بعده " وقال صلى الله عليه وسلم: " ليعمل العاق ما شاء أن يعمل فلن يدخل الجنة، وليعمل البار ما شاء أن يعمل فلن يدخل النار " يعنى أن العقوق يجر إلى الإصرار، والبر يجر إلى التوبة.

{ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ } بارين بالوالدين، موفين فى دين الله عز وجل، أو صالحين مطيعين لله عز وجل، فى حق الوالدين وغيره، أو صالحين فى قصد الخير لهما، والوفاء بالدين فلا يضركم ما صدر فى بعض الأحيان مما يسوءهما لقصدكم الخير والتوبة.

وهذا فى عموم قوله تعالى: { فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ } من الذنوب عمومًا { غَفُورًا } والأواب الرجاع إلى التوبة، وإصلاح الفساد من الإساءة إليهما وغيرهما، والأوَّاب الإنسان يذنب، يتوب ويستغفر، ثم يذنب ويتوب كذلك كلما ذكر ذنبًا استغفر منه فى خلوة، أو مع الناس، لكن لا يكشف لهم ما ستر الله عنهم، وقد يقال: أراد بالأوَّابين من كان صالحاً فى بر الوالدين، فالأصل على هذا فإنه كان لكم غفوراً، ولكن لفظ الأوب وهو الرجوع أنسب بمن قد يسئ إليهما، ويتوب، غير أن الإنسان لا يخلو من خطأ فى حقهما أو حق غيرهما.