الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ٱرْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً }

{ وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ } إذا أراد الطائر الكف عن الطيران، خفض جناحيه عن نشرهما وارتفاعهما، فعبَّر بذلك عن التواضع لهما، جعل الإلانة لهما من جنس خفض الجناح من الطائر بجامع العطف، فسماها باسم الخفض واشتق منه اخفض بمعنى أَلِنْ، وجناح ترشيح أو استعارة لجانب الإنسان من بدنه، أو حاله بجناح الطائر فسماه به، وأضافه للذل تلويحاً بأن يذل لهما، ولا يرتفع كأنه قيل: ليكن جنابُك لهما جناب ذل لا جناب ترفع، وذلك من إضافة الشئ إلى صفته، كحاتم الجود، وما در الشح، ولا داعى إلى المصير إلى الوصف النحوى، مثل أن تؤول الجود بذى الجود أو بالجواد، وكذا فى الآية.

وإن شئت فقل: شبه المتواضع بالطائر المنحط، ورمز إلى ذلك بذكر الجناح، أو شبه الذل بطائر منحط، ورمز إليه بإثبات الجناح تخييلا، والخفض ترشيحاً، وقيل: المراد بخفض الجناح ما يفعله الطائر إذا ضم فراخه للتربية، وأنه أنسب بالمقام قلت: لا يتضح هذا، وسمى الجناح جناحاً لأنه يميل تقول: جنحت إلى كذا بمعنى ملت إليه.

{ مِنَ الرَّحْمَةِ } أى لرقتك عليهما، متعلق باخفض، ويجوز أن تكون للابتداء، لأن هذا الخفض ناشئ من الرحمة لمستكنة فى النفس، لافتقارهما إليه بعد أن كان أشد افتقاراً إليهما، واحتياج المرء إلى من كان محتاجاً إليه غاية الذل، فلا بد من مقابلة بأشد رحمة جزاء له قال الشاعر:
ما ذلة السلطان إلا إذا   أصبح محتاجاً إلى عامله
ويضعف كونه حالا من جناح { وَقُلْ } ولو دُبُرُ كل صلاة من الخمس، أو دبر كل صلاة لا تقبل صلاة امرأة لم تدع لزوجها أو إنسان لم يدع لوالديه، قال سفيان: يجب عند كل تشهد التسليم كما أمرنا بالتكبير فى أيام معدودات، فكبرنا أدبار الصلوات، وبالصلاة والسلام على النبى، فعلناهما بعد تشهد التسليم.

قلت: لكن كل بما يليق به، فالمتولى بالجنة وغيرها من الدين والدنيا، والموقوف فيه بالهداية على قول مجيز الدعاء بالهداية لغير المتولى، أو بترك كذا من الذنوب أو بالتوفيق إلى فعل كذا من الخير، وكذا فى المتبرأ منه، وقد قال من قال: بولاية الوالدين المستحقين للوقوف، ويعرض لهما بدعائه بالجنة إذا اشتدا عليه بها.

{ رَبِّ ارْحَمْهُمَا } ولو اقتصرت على رحمة دنيوية إن لم يجد سبيلا للأخروية، وقد أخبرتك بطرق لها، لكن إن ماتا فى البراءة لم يجد سبيلا إلى الأخروية، إلا أن تدعو لهما بزوال عذاب القبر، أو تخفيفه، كما غرز صلى الله عليه وسلم بعض جريدة على قبر مغتاب أو نمام وعلى قبر من لا يستبرئ من البول.

{ كَمَا } الكاف للتشبيه والتعليل، مستفاد منه فلا حاجة إلى جعلها للتعليل وما مصدرية { رَبَّيَانِى صَغِيراً } برحمة لا بعنف، حين عجزت كل العجز، وحين عجزت بعضه، لا يترفعان عن نتن ما يخرج منى، واللام فى هذا أدخل، قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أبواى بلغا من الكِبَر إلى أن ألِى منهما ما وليا منى فى الصغر، فهل قضيت حقهما؟ قال:

السابقالتالي
2