الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ قُل لَّوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لأمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ ٱلإِنْفَاقِ وَكَانَ ٱلإنْسَانُ قَتُوراً } * { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَسْئَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَآءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَونُ إِنِّي لأَظُنُّكَ يٰمُوسَىٰ مَسْحُوراً }

{ قُلْ لَوْ أَنْتُمْ } فاعل لتملك أصله تملكون، دل عليه قوله { تَمْلِكُونَ } حذف الفعل، وانفصل الضمير، وهذا من التوكيد اللفظى مع الاختصار، وكذا باب الاشتغال فى النصب، وقدر بعض لو كنتم تملكون فحذف كان وحده، وانفصل الضمير، فتملكون خبر لكان، وذلك بياء على أن لولا يليها اسم على طريق إيلائه إن وإذا إلا ضرورة.

{ خَزَائِنَ } استعارة للموجودات فى علم الله من الخير بحقيقية أو تخييلية { رَحْمَةِ } نعمة وهو مجاز مرسل { رَبِّى } من الرزق والمطر، وصحة البدن وغير ذلك.

{ إِذًا لأَمْسَكْتُمْ } استعمل بمعنى بخلتم، فكان لازما أو بقى على تعديه فيقدر له مفعول به، أى لأمسكتم ما بأيديكم لا تنفقونه.

{ خَشْيَةَ الإِنْفَاقِ } عاقبة الإنفاق وهى نقصه، أو الفقر وفقدها بالكلية، فيقدر مضاف كما رأيت، أو الإنفاق كناية عن لازمه، وهو نفاد الكل أو النقص، أو الإنفاق بمعنى الافتقار كالإملاق فى الآية الأخرى، يقال: أنفق مال فلان أى ذهب، ونفق ماله ونفق الزاد ذهب والبخل لازم لكل واحد، فإن كل أحد يختار نفسه بماله عن غيره، وإن أعطاه فلأنه يرجو عطاءً دنيويًا أو عوض مدح أو نحو هذا، أو عوضا أخرويا، والله جل وعلا يعطى بدون ذلك.

وسئل بعض أصحابنا الأغنياء فقال لسائله: خذ من زكاتى، فأبى فقال: هل سمعت بغنىّ جواد، يعنى أن الجود إعطاء جميع ما فى اليد والملك، وما كان الإنسان غنيًّا إلا لعدم هذا الجود، ولو جاد كذلك كان فقيراً.

{ وَكَانَ الإِنْسَانُ قَتُورًا } ضيّقًا ممسكا بخيلا، لأنه محتاج، ويحرم عليه أن يؤخر قضاء الدِّين، وقد وجد القضاء وأمكنه، سواء كان الدِّين لخاص أو لعام، لميت أو لحى، كالأموال التى تجب للفقراء كالزكاة، وما لا يعرف له رب، وأنواع الكفارات فمؤخرها مع الوجود والإمكان داخل فى قوله صلى الله عليه وسلم وآتاه الوسيلة " مطل الغنى ظلم " ومن ذلك تأخير أموال الأوقاف والوصايا مع الوجود والإمكان والدرهم فى الحياة كسبعين بعد الموت، وسبعون بعد الموت، كواحد فى الحياة، وتأخير الواجب مع الوجود والإمكان من الرغبة والرهبة، والحج ليس حقا لمخلوق، فلا بأس بتأخيره وهو مكروه إلا حجا أوصى به. فيعجل الوارث والخليفة به.

وصية الأقرب لا تنفذ قبل الموت إِذ لا يتعين الأقرب إِلا بعد الموت، وليس فى ذكر الوصية فى القرآن والحديث إجازة تأخير حقوق الناس إلى الموت، بل يجب إنفاذها وإِلا فلا أقل من الإِيصاء، فذكرها فيهما يشمل الإيصاء بالواجب وبئس ما فعل من تأخيره ويشمل الإيصاء بغير الواجب، ولشح الإنسان كان إنما ينفق لرجاء عوض، وهكذا حاله، ولو كان غنيًّا ويحتمل أن يراد إن غالب الناس بخلاء لا كلهم.

السابقالتالي
2 3