الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ سُبْحَانَ ٱلَّذِى أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلأَقْصَا ٱلَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَآ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلبَصِيرُ }

{ سُبْحَانَ الَّذِى أَسْرَى بِعَبْدِهِ } سبحان اسم مصدر سبح بشد الباء، فهو بمعنى التسبيح نائب عن فعل الأمر، أى سبِّحوا الذى أسرى بعهده، أناب سبحان عن تسبيح، وأضيف للاسم الذى ينصب بسبحوا، وهكذا سبحان فى جميع القرآن، أمر بالتسبيح تنزيها عن صفة مخلوق مطلقا أو تنزيها بالصلاة، وما ذكرته فى التوحيد بالحجة مخالفا لهذا كلام نقلته بلا تأمل.

كما أن بعضا قال: التقدير أُسبح إليه بصيغة المضارع، يقوله الله عن نفسه، وهو الذى ذكرته فى التوحيد بالحجة، وهو فى الكرخى، ونسبه للنحويين وجدت منه نسخة قديمة له أو قوبلت على خطه إلا أنه يحتمل أن يكون المراد أن يقول كل أحد عن نفسه: أسبِّح الله، ويقدر الماضى إِذا عطف بعده تعالى كما يجئ بعد فى هذه السورة.

وأجاز بعض أن يكون سبحان مصدر سبح بلا تشديد، بمعنى بعد عن صفة السوء كغفران، وليس قياسا كما قيل، وشهر أن سبحان عَلَم للتسبيح، وأسرى لازم كسَرَى وهو أبلغ من سرى، وتعديته بتأويل أسرى ملائكته بعبده تكلف، وإنما تعدى بالباء أى صيَّر عبده ساريًا.

وقال: بعبده لأن العبودية لله أشرف المقامات، وكان صلى الله عليه وسلم راغبًا فى اسم العبودية لله، وكان يقول: " أشرف الأسماء ما تعبد به " ، أى ذكر فيه عبد، كعبد الله، وعبد العزيز، وعبد القادر، ولو قال بحبيبه أو نحوه لكان أقرب إلى أن تطريه الأمة كما أطرت النصارى المسيح وقالوا: إنه إِله أو إِنه ابن الله، وقد نهانا أن نطريه كما أطرت النصارى المسيح.

{ لَيْلاً } بعد صلاة العشاء أى فى ليل عظيم لا فيه كله، ولا فى نهار، ويجوز أن يكون ليلاً اسمًا لجزء منه، وبعض ليل ليل، كما أن بعض السوق سوق، وذلك حقيقة لا مجاز كما قيل: إن قصة الإسراء أربع ساعات أو ثلاث أو ساعة، وقيل: أن يسكن غصن شجرة صادمة أول الإسراء فتحرك قبل أن يبرد فراشه من سخونة الاضطجاع عليه، وهذا التعبيض بأنواعه حكمة ذكر الليل، مع أن لفظ الإسراء يدل عليه، وقد يجوز التجريد، بأن جرد عن بعض معناه، فكان بمعنى السير مطلقًا فقيّد بالليل، وما قدم أحق لزيادة الفائدة.

{ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ } بعد أن أسرت به الملائكة جبريل وميكائيل وغيرهما، من بيت أم هانئ بنت عمه، إِلى الحجر، ثم منه إلى زمزم، وشقوا بلا ألم ولا دم قلبه، وغسلوه ثلاثًا، وعاد كما كان، وأسروا به منه، هذا إلى من دعوى أن المراد بالمسجد الحرام مكة، فيشمل بيتها، والمسجد الحرام وهو يومئذ المطاف فقط، وحوله دور الناس وبيوتهم، ومن شاء شرع باب مسكنه فى المطاف، وأول من زاد فى المسجد عمر، وأتبعه غيره يشترون الدور ويدخلونها فى المسجد بلا رجوع فيها ولا شرط، وأما المطاف فمن الله لم يجر ملك أحد عليه.

السابقالتالي
2 3