الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَىٰ مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ ٱللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ }

{ وَلاَ تَكُونَوا كَالَّتِي نَقَضَتْ } فكت { غَزْلَهَا } مغزولها { مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ } شدة المغزول وإتقانه { أَنْكَاثًا } أقسامًا منكوئة حال مقارنة، أو مفعول مطلق بمعنى نقضا أو مفعول ثان لتضمن نقضت معنى صيرته، امرأة حمقاء، من قريش اسمها ريطة بنت سعد بن تميم، اتخذت مغزلا قدر ذراع وصنارة مثل الأصبع، وفلكة عظيمة على قدر ذلك تغزل هى وجواريها من الغداة إِلى الطهى، ثم تأمر هُن فينقضن ما غزلن، وقيل امرأة اسمها ريطة بنت عمرو المرية، تلقب الحفراء، وكلتاهما تسمى خرقاء مكة.

وأخرج ابن حاتم عن أبى بكر بن حفص، أن سعيدة الأسدية مجنونة تجمع الشعر والليف، فنزلت الآية، وذكر ابن مردويه، عن ابن عطاء أنها شكت جنونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " إنْ شئتِ دعوت الله يعافك، وإنْ شئتِ اصبري تدخلي الجنة " ، فاختارت الصبر والجنة، وذكر عطاء أن ابن عباس أراه إياها.

وقيل ليست الآية فى امرأة مخصوصة، بل مطلق من تفعل ذلك، ومن ذلك نساء نجد، تنقض إحداهن غزلها وتنقشه فتغزله بالصوف، وجملة قوله:

{ تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ } خبر ثان لتكون، أو حال من اسمه أو من المستتر فى كالتى، ولا حاجة إِلى تقدير: أتتخذون بالاستفهام الإنكارى على الاستئناف، وأَيضا يصح الإنكار بلا همزة كما تعيب على أحد وتذمه بذكر فعله الخسيس، ودخلا فساداً وغشًا فى محالفتكم أن تحالفوا قومًا، فإذا رأيتم أعز منهم أو أكثر نقضتم المحالفة وحالفتم، الأعزّاء والأكثر.

{ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَربى مِنْ أُمَّةٍ } أكثر من أمة أى بأن تكون. أو لأن تكون متعلق بتتخذون، أو يقدر محلفة أن تكون، أو طمع أن تكون وأما بأن تنقضوها لأن تكون، فيضعف لمزيد الحذف، فلا يقدر القرآن به، والمعنى بأن تحالفوا الأمة الأكثر عدداً ومالا أو عزاً، أو تعذروا بالأولى وإنما يقرهم الله على المحالفة التى فى المحافظة التى على الحقوق، وهى ضمير فصل، ولو كان اسمها نكرة، هذا مذهب الكوفيين ويجوز كونها بلا خبر.

{ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ } يختبركم { اللهُ } ويكلفكم { بِه } بالإيفاء بالعهد، أو بالأمر بالإيفاء، أو بكون الأمة أربى، أو بالرّبُوّ، واختار بعضهم عوده إِلى الكون المذكور، والمعنى يخبركم أتبقون أيها المؤمنون على بيعة الرسول، وعلى ما أنتم عليه، أو تنقضون، وذلك لكثرة قريش، وقلة المؤمنين كعادة قريش فى الجاهلية، ينقضون الحلف إذا رأوا كثرة وعزة فى آخرين.

{ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } من التصديق والتكذيب، والبقاء على العهد، ونقضه فيجازيكم على ذلك.