الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُمْ مِّن جُلُودِ ٱلأَنْعَامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَآ أَثَاثاً وَمَتَاعاً إِلَىٰ حِينٍ }

{ وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ } من بيوت البناء بالماء والطين أو القرمد أو الجص أو الجبس أو نحو ذلك.

{ سَكَنًا } موضعًا تسكنون فيه حين الإقامة كالقبض بفتحتين بمعنى المقبوض، ويجوز أن لا تقدر الوصفية، وفى كما رأيت، بل يعتبر معنى للسكن قال:
جاء الشتاء ولم أعدد له سكنا   يا ويح نفسى من شر القراميص
على المتبادر، أو يجعل بمعنى ما يستأنس إِليه كقول صاحب لامية العجم:
فيم الإقامة بالزوراء لا سكنى   فيها ولا ناقتى فيها ولا جملى
وليس المراد أن لكم بيوتًا ليست سكنا، ثم جعلها سكنا بل البيوت التى سكنتم هو الذى خلقها، أو صيّرها لكم سكنا.

{ وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتًا } صغارًا وكبارًا بتركيب جلد إِلى جلد، أو جلود، وينسج من نباتها وهو الأكثر، والبيت الذى من نبات الجلد هو من الجلد، لأنه نبت عليه، ومن للابتداء فى المعنيين على معنى يحصل لكم بيوتا من جلود الأنعام، إما بها وإِما بشعرها، وإن جعلنا من للتبعيض باعتبار البيوت من شعرها، وللابتداء أو للبيان باعتبارها، كان استعمالا للمشترك فى معنييه وفى جوازه خلاف.

{ تَسْتَخِفُّونَهَا } تجدونها خفيفة، أو تعدونها خفيفة { يَوْمَ ظَعْنِكُمْ } إنتقالكم من موضع الحلول قصد الماء أو نبات أو أمان أو غير ذلك فى السفر، يسهل حملها.

{ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ } يسهل عليكم ضربها بأوتاد فى الأرض زمان السفر، وقيل: فى الحضر على معنى أنكم لا تهتمون بها إذا أردتم سفرًا سهل عليكم تحصيلها، إن لم تكن حاصلة، وقيل: إذا أردتم ضربها فى الحضر فى موضع قريب تسهل عليكم، وعلى القولين هذين يكون: يوم ظعنكم شاملا للبث فى السفر والنزول فيه.

{ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا } عطف على من جلود الأنعام.

{ أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَىحِينٍ } معطوفان على بيوتا، وذلك عطف على معمولى عامل واحد، والأثاث الآلات التى تكون فى البيوت وغيرها كالبسط والثياب والحبال المحتاج إليها للسفن ولربط الدواب، وإصلاح جهازها، وسمى أثاثا لكثرته، أث الشئ كثر، والمتاع ما يستعمل خارج البيت، وقيل بالعكس، وإلى متعلق بمتاعا على معنى اسم المصدر بمعنى تمتعا أو على معنى المتمتع به إلى حين بلائه أو تلفه أو إخراجه من الملك، أو عدم الاحتياج إليه أو الموت.

وعن ابن عباس: المتاع الزينة، وعن الخليل هو الأثاث، ولو قاله غير الخليل لمثلت له على سبيل الزجر بقوله:
* ألفى قولها كذباً ومينا *   
ولم يذكر الكتان والقطن لأن العرب غالبا، لا يستعملونهما، وقيل: المتاع ما يتجر به.