الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ مِن شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُاْ ظِلاَلُهُ عَنِ ٱلْيَمِينِ وَٱلْشَّمَآئِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ }

{ أَوَ لَمْ يَرَوْا } أَو لم ينظر هؤلاءِ الماكرون ولم يروا { إِلَى مَا خلَقَ اللهُ مِنْ شَىءٍ } أبهم بشىء بعد الإبهام بما ليصفه بقوله: { يَتَفَيَّؤُ ظَلاَلُهُ } فهو تمهيد لما بعده كما يقال: زيد رجل عربى وكأنه قيل: أَو لم يروا إلى المخلوق الثابت الأَصل الذى له ظل كشجر وجبل وجدار ولا ظل للملك ولا للجن الذى بصورة الريح بلا لحم ودم، وأما الجن الكثيفة باللحم والدم، فمن كان منهم بصورة الحية أو غيرها فله ظل وهو فى الأجحرة وما يخفى كجحر الحية فإذا خرج ظهر له ظل، وأما الجن الكثيفة على صورة الإنسان مثلا فلا نشاهد لهم ظلا وهم فى ضوءِ الشمس والقمر والمصباح فنقول: الله قادر على أن يجعلهم بلا ظل كما قيل: أَن لا ظل لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أو لهم ظل لا نراه كما أنا لا نراهم وذلك بقدرة الله تعالى، والله على كل شىء قدير، ولو شاءَ الله لجعل لهم ظلا نراه دونهم لكن نرتاع لذلك فلم يجعله، أَو هم أجسام غير كثيفة لا ظل لهم كما أَن الهواءَ جسم لطيف لا ظل له، ومعنى يتفيؤ يميل بالرجوع فهو يتفعل من فاءَ يفىءُ بمعنى رجع والفىءُ مطلق الظل كما هو ظاهر الآية وهما مترادفان، وقيل: الفىءُ ما بعد الزوال لأَنه رجع إِلى موضع كان فيه قبله والظل ما قبله، وقيل: ما بعده فىءٌ وظل وما قبله ظل، ومن ترادفهما قوله:
فسلام الإله يغدو عليهم   وَفيوءُ الفردوس ذات الظلال
إذ لا شمس فى الجنة تنسخ الظل { عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ } قيل يمين الواقف مستقبلا للمشرق، ويسمى الجنوب وشماله، وقيل اليمين أول النهار والشمال آخره إذ يقع الظل على الربع الغربى قبل الزوال، وعلى الربع الشرقى آخره، والربعان الآخران غالبان قيل: إِذا طلعت الشمس وأنت مستقبل القبلة فظلك عن يمينك، وإذا توسطت السماء فخلفك، وإذا غربت فيسارك، قلت: لا يتم هذا لاختلاف مطالع الفصول والأرض، ومخالفة أول الفصول وما بعده، وكذا لا يتم قول قتادة والضحاك: اليمين أول النهار والشمال آخره دائماً، أو المراد باليمين والشمائل يمين الأجرام التى لها ظل، وشمائِلها على الاستعارة التصريحية، أو على التخييل للمكنية، لأن اليمين والشمال حقيقة للإنسان والملائِكة والجن والحيوان، أَو بمعنى الجانبين إطلاقا للمقيد على المطلق، وقيل يمين الفلك وهو المشرق وشمائِله وهو المغرب، شبه الجانب الشرقى بأقوى جانبى الإنسان وهو يمينه، لأن أقوى الحركات الفلكية التى هى الحركة اليومية أَخذت من المشرق إلى المغرب، وقيل المراد يمين مستقبل الجنوب وشماله، وقيل: يمين البلد وشماله إذا كانت الشمس عن يمينه صيفا فتقع الأطلال على يسارها وعكس ذلك شتاء ولا يحسن التعبير بما هو خاص هكذا، لأَن الآية على العموم، وأُضيفت ظلال الضمير المفرد مراعاة للفظ ما، وكذا أُفرد اليمين، أَو لأَن (أَل) للحقيقة مثل: ويولون الدبر، وجمع الشمال للمعنى كما جمع فى قوله: { سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ } وقيل: جمع الشمال لأَن غالب المعمور شمالى، وقيل: ظل الغداة يضمحل حتى لا يبقى منه إِلا القليل فكأَنه فى جهة واحدة، ويظل العشى يعم الجهات فجمع، وأَيضاً الشمال يلى سجدا فجمع لأَنه ولى الجمع وأَفرد اليمين لأنه ولى الضمير المفرد وهو هاء ظلاله، وجمع داخر لجمع السلامة لأَن الدخور من أَوصاف العقلاءِ، ولأَن فى جملة ذلك من يعقل، والسجود عدم المعاصاة طبعا أَو اختيارا يقال سجد الغصن إذا مال لكثرة ثماره، والأَجرام منقادة لله، والظلال تميل من جانب لجانب منقادة واقعة على الأرض كالساجد، قال الحسن: ظلك يسجد لربك وأَنت لا تسجد بئس ما صنعت.

السابقالتالي
2