الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } * { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِيۤ إِلَيْهِمْ فَٱسْأَلُواْ أَهْلَ ٱلذِّكْرِ إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ }

{ الَّذِينَ صَبَرُوا } هم الذين صبروا أَو أَعنى أَو أَمدح الذين صبروا أو نعت للذين والمراد الصبر على الشدائد من أَذى المشركين ومفارقة الوطن والعشيرة ومن يعاشرون على الطاعات وعلى المصائب وعن المعاصى، ولكن المقام مقامُ ذكر الصبر على شدائد المشركين فإذا أُريد العموم دخل أَذاهم بالأَولى { وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } لا على غيره، ولا مع غيره، فيرزقون من حيث لا يحتسبون، ولا يضرهم مفارقة الوطن، والمضارع لحكاية الحال الماضية الاستمرارية التى هى الانقطاع إِلى الله عز وجل وترك الأَمر كله إِليه، قال كفار قريش: الله أَعظم من أَن يكون رسوله بشراً بل يكون ملكاً فأَنزل الله عز وجل:

{ وَمَا أَرْسَلْنَا } إلى الأُمم { مِنْ قَبْلِك إلاَ رِجَالاً } آدميين وما قيل من نبوة حواءَ ومريم وآسية وهاجر وبوخابد أَم موسى قول ردىءَ مخالف { نُوحِى إِلَيْهِمْ } ولو أنزلنا ملكاً على صورة بشر لقالوا إنه بشر، وعلى صورته لم يطيقوا مشاهدته، ولو قواهم على مشاهدتهم على صورهم لكان إيمانهم لو آمنوا غير نافع، لأَنه كإيمان من وجه الله إليه العذاب أَو شاهد أَمر الآخرة، ولكان كفرهم إن بقوا عليه موجباً لتعجيل العذاب، كعقاب أصحاب المائدة وقوم صالح أَصحاب الناقة، وقيل: وما أرسلنا إلى الأَنبياءِ إلا ملائكة على صور الرجال، ويرده أَن المقام لذكر كون الرسالة إِلى الأُمم رجالا، وأَن أَهل الذكر لا يجيبون بذلك وقد قال الله فى الجواب { فاسْأَلُوا } الخطاب لمشركى مكة إذ قالوا فى إنكار رسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الله أَعظم أَن يكون رسوله بشراً فهلا بعثت إلينا ملكاً، والتقدير إِن أَبيم إِلا إنكار رسالة محمد فاسأَلوا { أَهْل الذِّكْرِ } التوراة والإِنجيل والزبور، ولا تقدر إن شككتم أَو إن أَنكرتم، والمراد الذين لم يسلموا لأَن من أَسلم منهم كعبد الله بن سلام، بل من أَسلم مطلقاً لا يأْخذون بقوله كسلمان، وقيل: المراد من أسلم لأَن الذكر القرآن، قلنا سمى الله التوراة أَيضا ذكراً فى مواضع منها:ولقد كتبنا فى الزبور من بعد الذكر } [الأنبياء: 105] وإِنما قال صلى الله عليه وسلم: " نحن أَهل الذكر فى تفسير غير هذه الآية " ، وقيل: أَهل الذكر من علم بأَخبار الأُمم السالفة { إِنْ كُنْتُمْ لاَ تعْلَمُونَ } أَن الرسل بشر يخبروكم بأَن أَنبياءَهم بشر كموسى وعيسى وأَن الرسل من البشر كلهم، وأَنتم تعرفون أَن لهم معرفة بكتب الله ورسوله وتصدقونهم قبل أَن تصدقوا المؤمنين لأَن بينكم مناسبة كفر بالنبى صلى الله عليه وسلم.