الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي ٱللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً وَلأَجْرُ ٱلآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ }

{ وَالَّذِينَ هَاجرُوا } بلادهم { فِى اللهِ } أَى لأَجل إِقامة دين الله، وهم النبى صلى الله عليه وسلم وأَصحابه الذين هاجروا إلى المدينة قبله أو بعده أَو معه، وإلى الحبشة فى المرة الأُولى والثانية وهجرتهم بعد من الحبشة إلى المدينة غير داخلة فى الهجرة المذكورة فى الاية لأَن السورة مكية، إِلا إن جعلت الآية المدنية فى سورة مكية، وقيل المراد الذين هاجروا الشرك فحبسوا بمكة وعذبوا وهم بلال وصهيب وخباب وعمار وعياش لا عايش وابن سهيل وأبو جندل لا ابن جندل، أو المراد هؤلاءِ المحبوسون هاجروا إلى المدينة بعد ما حبسوا ليرجعوا عن الإسلام قال صهيب: أنا رجل كبير لا أَنفعكم وإِن كنت عليكم لم أَضركم، ففدى نفسه بمال وهاجر إلى المدينة فقال له أَبو بكر: ربح البيع يا صهيب، ولم يصح أَن القائل له: نعم العبد صهيب إلخ، هو رسول الله صلى الله عليه ولا عمر كما قيل، ويجوز إِبقاءُ فى على الظرفية بمعنى أَن هجرتهم متمكنة فى حق الله تعالى تمكن المظروف فى ظرفه ليس فيها أدنى ميل إلى الدنيا { مِنْ بعدِ مَا ظُلِمُوا } بالعذاب من أَهل مكة أو بالشتم وسائر الأَذى وقوله: { لَنُبَوِّئَنَّهُمْ } لا محل لها لأَنها جواب القسم أى والله لنبوئنهم والقسم وجوابه فى محل رفع خبر الذين، ومعنى لنبوئنهم لننزلنهم { فى الدُّنْيا حَسَنةً } أى داراً حسنة أو مآبة حسنة والمآبة منزل القوم والمراد المدينة أَو تبوئة حسنة وهى تبوئة المدينة، وهو فى هذا الوجه نعت لمفعول مطلق محذوف وفى سائِر الوجه منصوب على أَنه مفعول ثان لنبوىءَ لتضمنه معنى نعطى أَو منصوب على التشبيه بالمفعول به أَو على الظرفية شذوذاً على الخلاف فى منصوب دخل { وَلأَجْرُ الآخِرَةِ } هو الجنة، فالآخرة ما بعد القيامة أو ما بعد الموت، الناس كلهم، ولا بأْس فى أن يقال أجره الجنة أو الاخرة الجنة وأجرها نعيمها { أَكْبَرُ } من نعيم الدنيا قيل أَوأَكبر من أَن يعلم أَحد عظمه قبل أَن يشاهده، ولا دليل يدل على هذا، وليس كل ما يجوز فى المعنى يجوز أن يفسر به القرآن ولو غير ظاهر ولا له دليل، وكان عمر رضى الله عنه إذا أَعطى رجلا من المهاجرين عطاءً من بيت المال أَو من الغنيمة أو الزكاة أَو غير ذلك قال: خذ بارك الله لك فيه هذا ما وعدك الله فى الدنيا وما ادخر لك فى الآخرة أفضل ثم يقرأ هذه الآية { لَوْ كَانُوا } أى المشركون { يَعْلَمُونَ } البعث حقاً أو الإيما ن خيراً فى الدارين، وجواب لو محذوف أى لامنوا، قيل: أو الواو للمهاجرين أو للمؤمنين فيشمل المهاجرين ولآ دليل على إرادة ذلك بالآية، أى لو كان المهاجرون يعلمون ذلك عليماً بليغ أو علماً بالمشاهدة لأنها أَقوى، أَو علماًَ تفصيلياً لزادوا فى اجتهادهم وصبرهم، وكونه للمشركين أولى، أَو لا يقدر جواب، فالمعنى أكبر عندهم لو كانوا يعلمون، اَما إِذا لم يعلموا فليس بأَكبر عندهم.