الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقِيلَ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْراً لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هٰذِهِ ٱلْدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ ٱلآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ ٱلْمُتَّقِينَ } * { جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآؤونَ كَذَلِكَ يَجْزِي ٱللَّهُ ٱلْمُتَّقِينَ }

{ وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا } أى الشرك، ولو وصل شارح لفظ الشرك باتقوا بدون أى لوجب على القارىء الوقف على اتقوا فيقطع همزة الشرك إذ لو وصل وقطع لكان خطأَ ولو وصل وحذف الواو لكان تغيراً لنظم القرآن، والقائِلون الوفد يلاقون أَهل مكة ويسأَلون عن محمد وأَحواله والقرآن والمسلمين، ويحكى أَن أَحياءَ العرب يرسلون من يسأَل فيقول المسلمون: أَنزل خيرا، وإِن سأَلوا المشركين قال المشركون: الذى أنزل عليه أساطير الأولين، وكذا غير الوفد ممن يدخل مكة أو قالوا بدون ذكر أنزل كما قال الله تعالى: { مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْراً } أى أنزل خيرا فهذه جملة فعلية مثل ماذا أنزل ربكم، على أن ماذا اسم واحد بالتركيب مفعول لأنزل، وفى هذا موافقة للسؤال رغبة فى جوابه إذ أتوا بأَنزل مقدراً أَو ملفوظاً به عما هو فى السؤال، والكفار أَعرضوا عن ذكر الإنزال الذى هو فى لفظ السائِلين لم يذكروه ولم يقدروه فى العبارة رغبة عنه وعما تضمنه فقالوا: أَساطير الأولين، وبعث قريش أرصادا فى طرق مكة يقولون لمن يجىءُ من العرب للسؤال فيقولونه إنه ساحر جاءَ بأَساطير الأَولين، وإِذا دخلوا مكة وسأَلوا المسلمين قالوا: أَنزل الله عليه خيرا، وإِذا كان الوافد عاقلا قال الوفد للمشركين الصادين: بئس الوافد أَنا إن رجعت لقولكم قبل أَن ألقاه وأَتحقق الأَمر من عنده، ومن الجائز أَن يكون المؤمن، يقول المؤمن ماذا أنزل ربكم فيقول خيرا والكافر لكافر فيقول أَساطير، وذلك تلذذ بالسمع، وأَن يقول الكافر لمسلم ماذا أنزل ربكم تهكما { لِلَّذِين أَحْسَنُوا } بالتوحيد والعمل الصالح وترك الكبائر { فِى هَذِه الدُّنْيَا } متعلق بالذين أو بمتعلقه لأَن المعنى عليه أولى من المعنى على تعليقه بأَحسنوا للعلم بأَن المعتبر ما يوجد فى الدنيا من الإحسان، ولو لم يذكر فى الدنيا فهو جائِز مرجوح، إلا أَن يقال: لوح به إلى أن هذه الدنيا مكسب للآخرة فلا يكون التفسير به مرجوحا { حَسَنَةٌ } حياة طيبة يمدح الله لهم عند الملائِكة وهم أَحياء وعند المؤمنين، ومدح المؤمنين بعض لبعض وبالظفر على الأَعداءِ والأَمن من القتل والسبى وبمنح الله لهم المعارف أَو ثواب فى الآخرة لأَعمالهم أَو التضعيف للحسنة بعشر إلى سبعمائة فصاعدا، وهذا أنسب بذكر خيرية الدار، وهذا وما بعده إلى تعلمون من كلام الله - عز وجل - مستأْنف، ويجوز أن يكون بدلا من قولهم أنزل خيرا أو عطف بيان على القول بجوازه فى الجمل أَو تفسيرا، وفى هذه الأوجه يكون داخلا فى قوله: قالوا خيرا فلهم خير الدنيا وخير الآخرة بقوله: { وِلَدارُ الأخِرةِ } أى ثواب دار هى دار الآخرة أو ثواب دار الحياة الاخرة { خَيْرٌ } لهم مما أصابوا فى الدنيا من الأُمور الحسنة غير مدح الله ومعارفه فهما خير من نعم الآخرة، أَو نقول لم يقصد هذان فى قوله حسنة أَو نقدر خير من الدنيا { وَلنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ } وعدلهم، والمخصوص بالمدح محذوف تقديره هى أَى دار الآخرة أَو هو قوله:

{ جَنَّاتُ عَدْنٍ } أَى جنات إقامة دائمة، وإذ قدرنا المخصوص كان قوله: { يَدْخُلُونهَا } خبر الجنات على أَنه مبتدأ، أَو إِذا جعلنا جنات مخصوصا كان قوله: يدخلونها حالا من جنات، أَو نعته، كذا قيل: والصواب أنه نعته، وقدر بعض لهم جنات عدن، وبعض جعله مبتدأً خبره قوله: { تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ } وعلى غيره يكون حالا من قوله: ها أَو نعت آخر لجنات، قيل: أَو حال منها { لَهُمْ فِيها مَا يَشَاءُونَ } من اللذات ولا يلقى الله فى قلوبهم حب مالا يجوز كالجماع فى الدبر وجماع الأطفال وتزوج ذوات المحارم والجمع بين من لا تجتمعان كامرأَة وخالتها، وقيل: لا أدبار لأَهل الجنة لأنه لا فضلة لهم فليزم أن لا تجوف للذكر إذ قالوا لا نطفة فيها فيكون ذلك نقصانا فقل لهم أدبار لا فضلة تخرج منها بل رائحة مستلذة وللذكر جوف ونطفة برائحة طيبة ترشفها أبدان النساء إِن لم يكن حديث مانع من ذلك ويكون للمؤمن زوج من الآدميات نص عليه ابن حجر، وأقول له أزواجه الآدميات كلهن ولو أربعا إن كن سعيدات مات عنهن ولم يتزوجن بعده أَو تزوجن شقيا، أَو متن عنه ولم يتزوج بعدهن محرمة لهن، وكذا ما فوق الأربع مثل أن يتزوج أربعا بعد أربع أو يتزوج بعد النقصان عن الأربع بالموت، لا ما قيل ماله إلا واحدة، وفضل الله أوسع، وإطلاق الحديث يناسبه وليس قوله فيها حصرا بالتقديم كما قيل؛ لأَن الحصر بالتقديم يكون إذا كان التقديم على عامل المقدم، وعامل فيها هو لهم أو متعلقه لا ما يشاءُون، أَو كان التقديم على مبتدأَه نحو فى الدار زيد، وإن علقت لهم بتجرى وفيها خبر مقدم ساغ الحصر، ومعنى الحصر أَنه لا يجد الإِنسان كل ما يشاءُ إلا فى الجنة { كَذَلِكَ يجْزِى اللهُ الْمُتَّقِينَ } على تقواهم، يقال: الجزاء نفس ذلك لا مثله فما معنى التشبيه قلت: المعنى والله أعلم يجزى الله المتقين جزاء مثل ذلك الوصف أى مطابقا له، أَو يقدر له مبتدأ هكذا الأمر كذلك ويستأْنف قوله: يجزى الله المتقين.