الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ ثُمَّ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ أَنِ ٱتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { إِنَّمَا جُعِلَ ٱلسَّبْتُ عَلَىٰ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ }

{ ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ } يا محمد، ثم لتراخى الرتبة، كما أن تراخى الزمان موجود، وذلك الموحى إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أفضل ما أوحى الله، وهذا تعظيم له صلى الله عليه وسلم، ويجوز أن يكون تعظيما لسيدنا إبراهيم، إذ أمر سيدنا محمداً باتباعه صلى الله وسلم عليهما، وثم لتراخى هذه الرتبة عن سائر رتب إبراهيم عليه السلام، ويجوز تعظيمه بجملة هذا الكلام، وهو الأمر باتباعه، وتعظيم سيدنا محمد يتم، وقد وصف الله جل وعلا إبراهيم بتسع خصال، وأمر الرسول باتباعه وهذا الاتباع عاشره.

وفى ثم هذا إيذان بأن أشرف ما أوتى الخليل وأجلّه اتباع محمد صلى الله عليه وسلم عليهما له، فهذا تعظيم لهما معًا، ولا بأس باتباع الفاضل المفضول، كما قال:فبهداهم اقتده } [الأنعام: 90] وكما يتبع الأنبياء آباءهم إذا كانوا مسلمين، وهم غير أنبياء، مع أن هذه الآية غير خارجة عن معنى أوحينا إليك القرآن، وهو غير مخالف لما عليه إبراهيم وهو المراد فى قوله:

{ أَنِ اتّبِعْ مِلَّةَ إبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ المْشْرِكِينَ } والمراد اتباعه فى التوحيد وخصاله وبعض الأشياء، وقيل: كل ما فى شريعتنا هو فى شريعته، وهو صلى الله عليه وسلم مبعوث لإحياء شريعة إبراهيم أصولا وفروعا، وهو قول باطل، بل فى بعض كما مرّ، وكالحج بعد أمره باتباعه فى بعض الأشياء فقال: أفعلها كما فعلها إبراهيم، وذلك وحى من الله سبحانه مستقل، وخصه بأشياء كثيرة لم تكن فى شرع إبراهيم، وأمره الله الختان كإبراهيم أو علم صلى الله عليه وسلم بأن شرع إبراهيم الختان، ووجد قومه يختتنون، ولم ينهه الله فجرى عليه.

وأن تفسيرية، قيل او مصدرية بلا تقدير جار، أى أوحينا إليك اتباع ملته، أو بتقديره أى باتباعها، وفى ذلك تعريض باليهود والنصارى وقريش، بأنهم مشركون، فكيف يتوهمون أنهم على دين إبراهيم، ولا تضاف الملة إلى الله، بل إلى الأنبياء أو غيرهم من الجمل كاليهود وقد تضاف قليلا إلى المفرد وهو غير نبى أمر الله سبحانه وتعالى رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم باتباع أبيه إبراهيم عليه السلام، فاتبعه فقال اليهود: لو اتبعه لعمل بالسبت كما عمل إبراهيم، فكذبهم الله عز وجل بقوله:

{ إِنّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ } وهم اليهود بعد إبراهيم عليه السلام بزمان طويل، فى زمان موسى عليه السلام، ولم يكن السبت فى شرع إبراهيم، بل فى شرعه الجمعة كما فى شرع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم اختاره الله له، وهو أفضل الأيام، لأن فيه خلق آدم، وهو أفضل الخلق، وفيه تاب عليه، وفراغ الخلق والمعظم هو يوم الفراغ، وهو يوم السرور لا يوم بعده، لأنه تعالى هو الذى فرغ منه لا نحن فنقول: عيينا فيه فلا يصح أن يكون عبداً لنا، والله لا يعيا، والله جل وعلا والذى اختاره لنا، ولم نختره نحن لأنفسنا، وادخره الله لنا، وقد أمر الله عز وجل به اليهود، فلم يقبلوه، وقالوا نحن نوافق ربنا فى ترك العمل إِذ بدأ الخلق فى الأحد، وأتمه فى يوم الجمعة، ولم يعمل يوم السبت، فنحن نجعله عيداً لا نعمل فيه إلا ما لا بد منه.

السابقالتالي
2