الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ }

{ إِنّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً } الأمة من خالف غيره، واختص كأنه جماعة، وهم جماعة، ومن عادة العرب فى المبالغة التسمية بالمؤنث كالداهية والرُّحلة والنخبة والآية والأمة، والنسابة والراوية، ويقال: فلان رحمة، قال الله جل وعلا:فنادته الملائكة } [آل عمران: 39] أى جبريل، ويقال: سمى أمة لأنه اجتمع فيه من صفات الكمال، وصفات الخير، ما لا يجتمع إلا فى الجماعة، وعبارة بعض قام مقام أمة فى العبادة،

وعن ابن مسعود: أمة معلم الخير، يؤتم به أهل الدنيا، ويناسب ما ذكرته أولا قول مجاهد: إِنه كان مؤمنًا وحده، والناس كفار، كما قال صلى الله عليه وسلم فى زيد ابن عمرو بن نفيل إذ فارق الجاهلية بترك عبادة الأصنام: " إنه يبعثه الله أمة وحده " وأما زوجه سارة تتبع له بعد أن سبقها، واختص زمانا طويلا، وأريد حص من الرجال كما فى البخارى أنه قال لسارة: ليس على الأرض اليوم مؤمن غيرى وغيرك، أو معنى أمة مؤتم به، كأنه قيل إمام، قال الله عز وجل:إِنى جاعلك للناس إِماماً } [البقرة: 124]واجعلنا للمتقين إِماماً } [الفرقان: 74] وامتاز هو ومَن معه بعد ذلك بالتوحيد، وأهل الأديان كلهم يحبونه، ومن ذلك قولهم فلان رُحْلة ونُخْبة بضم أولهما وسكون ثانيهما أى يرحل إِليه ويختار.

وإن شئت فقل: المعنى مقصود فإنه كذلك كالمأموم بمعنى المتبوع المقصود، والمأموم بمعنى من تقدمه غيره، والمقصود هنا الأول، ولكونه رئيس الموحدين فى العبادة وإبطال مذاهب الشرك كما فى سورة الأنعام بالحجج عقب ذلك بقوله:

{ قَانِتًا للهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } أى عابدًا لله مائلا عن دين الإشراك إِلى التوحيد والإسلام، والحنف الميل وهو هنا معنوى، ولم يكن قط مشركًا من ولادته إلى وفاته. وذلك تعريض بقريش، إِذ زعموا أنهم على دين إِبراهيم، وهم مشركون وباليهود والنصارى، إِذ زعموا أنهم على دينه، وهم مشركونما كان إبراهيم يهوديًا ولا نصرانيًّا، ولكن كان حنيفًا مسلمًا } [آل عمران: 67] ويقال: كانت قريش على دينه إِلى أن غيّره عمرو بن لحىّ.