الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ ٱلَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ }

{ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنُّهُمْ } كفارة مكة { يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ } يعلم محمدًا، والهاء له صلى الله عليه وسلم، والمفعول الثانى محذوف، أى يعلِّمه القرآن، ويجوز أن تكون القرآن فهى المفعول الثانى والأول محذوف، أى يعلمه محمدًا فمحمدًا مفعول أول مؤخرًا، وينوى تقديمه، ورجح بعضهم هذا ليوافق الهاء فى نزله، والمضارع للتجدد، وقيل: بمعنى الماضى والأول أولى.

{ بَشَرٌ } لا جبريل، وهو جبر الرومى غلام عامر بن الحضرمى بفتح الجيم وإِسكان الباء، كان يقرأ التوراة والإنجيل، وكان صلى الله عليه وسلم يمر عليه فى بعض الأحيان، ويسمع ما يقرأ فقالوا: ما يقوله محمد يأخذه من جبر وليس يوحى إليه به، وقيل: جبر ويسار روميان من أهل عين المر يصنعان السيوف بمكة، ويقرآن التوراة والإنجيل، وكان صلى الله عليه وسلم يمر بهما فى بعض الأحيان، يسمع قراءتهما قيل: يجلس إليهما إذا آذاه أهل مكة فقيل لأحدهما إِنك تعلِّم محمدًا فقال: لا، هو يعلمنى والبشر يطلق على الاثنين، فصاعدًا، وعلى الواحد فصح تفسيره بهما، وذكر السهيل بن الحضرمى عبد الله بن عماد له الأولاد: العلاء وعمر وعامر، أسلم العلاء وهاجر إلى النبى صلى الله عليه وسلم.

وعبارة بعض أن هذا البشر الذى ذكروا أَسلم، وقد قيل: بشر عائش غلام حويطب بن عبد العزّى، وقيل: اسمه يعيش، أسلم وحسن إسلامه، وله كتب يقرؤها، وقيل: سَلمان الفارسى، ويرده أن سَلمان أسلم بالمدينة بعد الهجرة، وكان مملوكًا ليهودى بها، ولا يصح أنه ملكه الصديق، وأسلم وأعتقه بمكة، وقيل: البشر أبو فكيهة مولى لامرأة بمكة اسمه يسار، وهو يهودى، وقيل: غلام رومى لبعض قريش يسمى بلعام باسم بلعام الأول، كان صلى الله عليه وسلم يعلِّمه الإسلام، فقالوا: إنه هو يعلم محمدًا، أو لا مانع من إرادة كل من أمكن أن يذكروه.

ورد الله عز وجل على نم قال: يعلمه بشر بقوله: { لِسَانُ } أى لغة { الّذِينَ يُلحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِىٌّ وهَذَا لِسَانٌ عَرَبِىٌّ مُبِينٌ } فإذا فسر البشر بالاثنين أو بأكثر بإفراد الذى مراعاة اللفظ بشر، ثم إنه لا يخفى أن للظاهر أن المراد رجل واحد يعلمه، وأن سلمان إنما وافى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة لا بمكة، والسورة مكية، فيحتاج إِلى أن يقال المراد أنهم سيؤولون يعلمه بشر فقالوه بعد الهجرة، أو نزلت فى المدينة، وجعلت فى سورة مكية وغير ذلك أولى.

ويلحدون يميلون بفتح ياء يميلون من الحد اللازم، بمعنى يلوحون بأن القرآن أخذه من البشر لا من جبريل عن الله، أو من المتعدى بمعنى أنهم يميلون القرآن إلى ذلك البشر بضم ياء يميلون، أو يميلون قولهم أو الاستقامة إليه رد الله عز وجل بأن لغة ذلك البشر خفية المعنى، مبهمة لا تتضح، وهذا القرآن أو كلام محمد الذى هو القرآن كلام متضح المعنى، يظهر بنفسه، أو يظهره غيره بأدنى تأمل، وكيف تكون معانيه الكثيرة المحتاجة إلى معلم ماهر فى زمان متسع، وتأليفه المعجز، وإخباره بالغيوب من قعود ساعات قليلة إلى أعجمى سوقى مملوك، لغته غير لغة العرب، ذلك بعيد عند كل عاقل، ولو كان يترجم له بالعربية، ومادة عجم للخفاء، ومنه العجماء وأنه لصلاتى الظهر والعصر، لأن القراءة فيهما سرا ذكره بعض الحنفية، وسمى اللغة لسانًا لأنه آلتها أو هذا سرد لسان لا يطيقه فصحاء العرب، فكيف غيرهم.