الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقُلْ إِنِّيۤ أَنَا ٱلنَّذِيرُ ٱلْمُبِينُ } * { كَمَآ أَنْزَلْنَا عَلَى ٱلْمُقْتَسِمِينَ } * { ٱلَّذِينَ جَعَلُواْ ٱلْقُرْآنَ عِضِينَ }

{ وَقُلْ إِنِّى أَنَا النَّذِيرُ } بعذاب الله تثبيتاً للمؤمنين وزجراً للكفرة بأَنه ينزل إِن لم يؤمنوا وفى المؤْمنين أَيضاً ما ينذر عنه { الْمُبِينُ } الظاهر الإنذار، أو مبين لطرق النجاة وطريق الهلاك، وفى ضمن ذلك تبشير بالجنة للمؤمنين ووصفه بالمبين لأَن إنذاره أبين من إنذار غيره من الأنبياء لأَنه بلسان القال ولسان الحال لأَنه من أشراط الساعة، ولعله لهذا أنزلنا العذاب على المقتسمين، ويكفى هذا، وأوضح منه أن يقدر أنا النذير المبين بإنزال العذاب كما أنزلناه على المقتسمين اليهود والنصارى المقتسمين للكتب إذ آمنوا ببعض وكفروا ببعض، وأنزلنا بمعنى ننزل لأَن عذاب النضير وقريظة إِنما وقع بعد الهجرة باخراجهم، السورة مكية فالمعنى لتحقق الوقوع بعد، وكذا إن فسرنا المقتسمين بقريش الذين قسموا طرق مكة باثنتيى عشر رجلا أو ستة عشر أَو أَربعين فى مواسم الحج والأَسواق، وجعلوا فى كل طريق من يصد الناس عنه صلى الله عليه وسلم بكلام يقوله كساحر ومجنون وكاهن وشاعر وأساطير الأولين وتعليم بشر ونحو ذلك إنما هو بعد الهجرة، وقتلوا يوم بدر، وقيل: ماتوا بالحرب، قيل: ومنهم الوليد بن المغيرة، والمشهور أنه مات بخدشة السهم المسموم، فالإنذار بعذاب يشبه عذاباً سيقع، او الاقتسام افتعال من القسم وهو الحلف، فهم الرهط التسعة الذين تقاسموا أن يقتلوا صالحاً ليلا فرجموا بالحجارة، وهذا لا يناسبه قوله تعالى:

{ الَّذِين جَعلُوا الْقُرآنَ عِضِينَ } إلا إن جعلنا القرآن ما على عهد صالح من كتب الله، أَو قلنا لما خالفوا ما فيه صاروا كأَنهم جعلوه عضين ولو كان يجىء بعدهم، أَو تجعل الذين مبتدأٌ خبره: فوربك إلخ، ويجوز أن يعود التشبيه إلى آتيناك سبعاً لأَن الإِيتاءَ إنزال كأَنه قيل: ولقد أنزلنا إليك سبعاً من المثانى كما أنزلنا على المقتسمين إلخ، إلا إنه لا يتبادر تشبيه إنزال الآيات أو السور مثلا بإنزال العذاب إلا على التهكم بهم، أَو على الامتنان عليه صلى الله عليه وسلم بأَنا عوضنا أعداءَك العذاب فى مقابلة إنزال السبع عليك، وعضين جمع عضو أى أجزاء حذفت لامه فجمع جمع المذكر السالم، ولو كان غير عاقل، إلا أنه لم يعوض التاءَ، ثم اطلعت أَنه ورد فى كلام عضة بمعنى عضه فيكون قد عوض كسنة، وذلك أَن أَهل مكة جعلوا القرآن أَجزاء، بعض يقول سحر وبعض يقول كهانة وبعض يقول شعر، وهكذا، أَو أَهل الكتاب جعلوه قسمين؛ بعضه حق موافق للتوراة والإِنجيل، وبعضه باطل مخالف لهما، أَو قال بعض منهم استهزاء، سورة كذا من كتاب محمد لى، وقال آخر سورة كذا لى، وهكذا، أو قالوا هذه لك وهذه لى، أَو كفر أهل الكتاب ببعض كتبهم وآمن ببعض، أَو قول النصارى فى التوراة واليهود فى الإنجيل، وقد أمر النصارى بالإيمان بالتوراة واليهود بالإيمان بالإنجيل، وعلى هذا فالقرآن التوراة والإنجيل فيكون تسلية له صلى الله عليه وسلم بأنهم كفروا بكتبهم كما كفر قومك بكتابهم، وهذا إذا فسرنا الاقتسام إلى إقرار ما وافق هواهم وتبديل ما لم يوافقه أو إخفائه كما قال الله جل وعلا: تجعلونه قراطيس إلخ، أَو المفرد عضه بالهاء حذفت وعوضت التاء فجمع بمعنى أسحار أو كذب أَو بهتان.