الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ رُّبَمَا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ }

{ رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ } الأصل فى ربما التقليل، ويود يحب أو يتمنى، والكفر إشراك أو شامل للفسق، ولو مصدرية، والمصدر مفعول يود، وما كافة مهيئَة للفعل بعد رب، والأَصل أَن يكون ماضيا ولا يكون مضارعا إِلا إن نزل منزلة الماضى لتحقق وقوعه، وهو باق على الاستقبال، أَو بمعنى الماضى مجازا، ولا حاجة إلى جعل ما نكرة موصوفة حذف عائِدها، أَى رب شىءٍ يوده الذين، وهو الإِسلام، أَو رب إِسلام يوده الذين، ولا إلى جعل لو إِقناعية محذوفة الجواب، أَى لسرهم ذلك، أَو تخلصوا مما فيه؛ لأَن الأَصل عدم الحذف، والتقليل نسبى، فإِن أَكثر أَوقات الأشقياءِ الذهول عن ود الإسلام بما هم فيه من السوءِ، ولو كان الود كثيرا بكثرة الوادين وتكرر تلك المرة، وذلك أَنهم يودون الإسلام فى الدنيا حين رأَوا المسلمين غالبين، أَو حين عاينوا الموت على غضب الله، أَو حين دخلوا النار، بل فى كل ذلك، وحين القبر وحين البعث، أَو اعتبر أَن الود لو كان قليلا لوجبت المسارعة إليه فكيف وهو كثير متكرر لظهور الفوز بالإِسلام، قال أَبو على القالى فى الأَمالى: حدثنا عبد الرحمن بن خلف قال حدثنا أحمد ابن زهير قال حدثنا أَبو عبد الله القرشى قال حدثنا عبد الله بن عبد العزيز قال أخبرنا ابن العلاءِ أَحسبه أَبا عمر أَو أَخاه عن جويرية بنت أَسماءَ عن إسماعيل ابن أَبى حكيم: بعثنى عمر بن عبد العزيز فى الفداءِ حين ولى، فبينما أَجول فى القسطنطينية إذ سمعت صوتا يتغنى: أَرقت وبان عنى من يلوم، أَبياتا شعر ساقها القالى، قال أبو عبد الله القشرى: والشعر لنفيلة الأَشجعى، قال: سمعت العتبى يقول: صحف فى اسمه فقال نفيلة قال إسماعيل ابن حكيم: فسأَلته حين دخلت عليه فقلت له: من أَنت؟ قال: أَنا الوابصى الذى أُخذت فعذبت فجذعت فدخلت فى دينهم، فقلت: إِن أَمير المؤمنين بعثنى فى الفداءِ وأَنت والله أُحب أَن أَفديه إِلى إِن لم تكن بطنت فى الكفر، قال: والله لا أَجعل: فقلت له: لقد كنت قارئا للقرآن، قال: والله لقد كنت من أَقرإِ الناس، فقلت: ما بقى معك من القرآن؟ قال: لا شىءَ إلا هذه الآية: " ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين " واعلم أَن قولهم: حدثنا وقولهم: أَخبرنا، وقولهم أنبأَنا بمعنى واحد، ويجوز جعلها للكثرة لكثرة ودهم، وتعينت ما للوصفية فى قوله:
ربما تكره النفوس من الأَمر   له فرجة كحل العقال
قد يصاب الجبان فى آخر الصف   وينجو مقارع الأَبطال
لرجوع هاءِ له إليه، أَى رب شىءٍ تكرهه النفوس، كان لأَبى عمرو ابن العلاءِ غلام جيد أَراده الحجاج فهرب به إلى اليمن، أَو قرأَغرفة بيده } [249] بفتح الغين وقال له: إِن لم تأْت بحجة عليه أَقتلك فهرب إلى اليمن، فبينما هو مهموم إِذ جاءَ أِعرابى ينشد الأبيات فقال له: ما وراءَك؟ قال: مات الحجاج، فقال: لا أَدرى بأَيهما أَنا أَنشد فرحا بموته أَو بفتح فاءَ فرجة، وقيل بضم أَول فرجة وغرفة، ولا داعى إلى دعوى أَن الأَصل لو كنا مسلمين، وإِنما ذلك لو قيل: ربما يود الذين كفروا قائِلين.