الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ ٱلشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ ٱلأَمْرُ إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ ٱلْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَٱسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُوۤاْ أَنفُسَكُمْ مَّآ أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَآ أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ ٱلظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }

{ وَقَالَ الشَّيْطَانُ } إِبليس لأَهل النار فيها { لَمَّا قُضِىَ الأَمْرُ } حوسب المكلفون من الثقلين وأُدخل أَهل الجنة الجنة، وأَهل النار النار، واجتمعوا عليه فيها، وقد وضع له منبر من النار فيها ليخطبهم فعاتبوه على إِغوائِه إِياهم وسأَلوه أَن يشفع لهم بإِزالة عذابهم أَلبتة، أَو يعذب مكانهم؛ لأَنه هو الذى أَضلهم { إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ } بالبعث للجزاءِ بالثواب على العمل الصالح والتقوى، ولم يخلفكم، وحذف لعملهم به معاينة، وبقوله: فأَخلفتكم، والحق ضد الباطل، لأَنه وعد أُنجز ومن شأْنه الإِنجاز ضد وعد الشيطان، أَو الوعد الحق فأُضيف الموصوف للصفة، أَو وعد الله فوضع الظاهر موضع المضمر، أَوالوعد البعث والجزاء { وَوَعَدتُّكُمْ } وعد الباطل بتحليل المحرمات، وتحريم المحللات، وبأَنه لا بعث ولا ثواب ولا عقاب، وإِن كان ذلك شفعت لكم الأَصنام { فأَخْلَفْتُكُمْ } وعدى، تبين لكم إِخلافى بمشاهدة البعث وما بعده، شبه ظهور الإِخلاف بالإِخلاف، ووجه الشبه انتفاءُ ترتب الموعود به، ولا استعارة فى وعدتكم لأَنه لا يشترط فى لفظ الوعد الصدق، والداعى إِلى الاستعارة أَن الإِخلاف إِنما هو فيما يسعه مقدرة الواعد، أَو ذكر الإِخلاف بدل مسببه وهو ظهوره { ومَا كَانَ لِىَ عَلَيْكُم مِّنْ سُلْطَانٍ } ما كان لى عليكم قوة أَقهركم بها على المعاصى والشرك { إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ } إِليها بالكذب والتزيين، والمصدر بدل من سلطان، والاستثناءُ متصل، على أَنه عد الوسوسة قاهرة، وإِن لم يعدها إِذ لم تكن شنقا أَو خنقا أَو نحوه فهو منقطع، وأَولى من ذلك أَن تعد الوسوسة سلطانا على طريق تأْكيد الشىءِ بضده فإٍنه لا يشترط المدح والذم، وقد مر هذا فى قوله عز وجل:كباسط كفيه إِلى الماءِ } [الرعد: 14] وقد يكون مع ذلك تهكم من إِبليس عليهم، ولو كان الحال لا يرتضيه، ولكن لفرط غفلتهم تهكم عليهم بأَن الوسوسة قهر، وذلك كله جائِز أَيضا إِذا فسرنا السلطان بالحجة والبينة { فَاسْتَجَبْتُمْ لِى } بالغتم فى إِجابتى بالسرعة، فإٍن الاستجابة أَبلغ من الإِجابة؛ لأَنه على صيغة الطلب، والإِسراع فى الشىءِ إِنما يكون لكونه مطلوبا، والإِسراع من لوزام الطلب، ولو كان طلب الإِنسان من نفسه، والفاءُ للاتصال وهو مبالغة أَيضا - { فَلاَ تَلُومُونِى } على إِضلالكم لأَنها ما كانت إِلا بالكذب والتزيين { وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ } على إِهمال عقولكم الصحيحة عن التدبر وعن النظر فيما جعل الله لكم من الدلائِل، قيل: على وثوقكم بى مع تصريحى لكم بالعداوة، وفيه أَنه لم يصرح لهم، وإِن أُريد قوله - عز جل -:لأَقعدن لهم } [الأعراف: 16]ولأُزينن لهم } [الحجر: 39]ولأَغوينهم } [الحجر: 39] الآيات لم يتم؛ لأَنهم لم يسمعوا حين قال، ولم يؤمنوا بالقرآن الذاكر ذلك عنه والعياذ بالله منه، نعم لم يؤمنوا بالقرآن فيتدبروها { مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ } بمجيب صريخكم أَى صياحكم إلى مستغيثين، وهو اسم فاعل أَصرخ بهمزة السلب، أَى لا أُزيل صراخكم بالإِجابة والاستغاثة { وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِىَّ } مثل ما ذكر، والحاصل لا أُغيثكم ولا تغيثوننى، وذلك إِقناط كل من معاونة أَهل النار بعضهم بعضا، وهو جمع حذفت نونه للإِضافة فأُدغمت ياؤه فى ياءِ المتكلم { إِنِّى كَفَرْتُ } الآن { بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ } بإِشراككم إِياى مع الله فى الدنيا بالعبادة لى بترك ما أَمر الله به وفعل ما نهى عنه وبعبادة الأَصنام فإِنها للشيطان إِذ أَمر بها والله نهى عنها، أَو شبه انقيادهم إلى عبادته إِذ أِمرهم بها بالإشراك فى العبادة، فاستعار له لفظ الإشراك، تركت ذلك كله الآن، وقلت: لا إله إلا الله، وما جاءَت به الرسل حق من الله، وهنا انتهت خطبته فى جهنم على منبر فيها نارى، وفى هذا المنبر وخطبته لهم بما ذكر زيادة تغييظ وإِقناط، والمشهور ما ذكر القرطبى أَنهم يقولون: اشفع لنا فإِنك خطبته فى قوله: { إِنَّ الظََالِمينَ } الكافرين { لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمُ } اليوم فى النار، وهو داخل فى الظالمين، وعلى أَنه من كلام الله يكون المعنى: لهم عذاب أَليم إِذا جاءَ يوم القيامة، وأَجاز بعض أَن تكون ما بمعنى الله نحو: سبحان ما سخركن لنا، أَى كفرت قبلكم بالله الذى أشر كتمونيه إِذ لم أَسجد لآدم، ويجوز جعلها مصدرية فى المثال على حذف مضاف أَى سبحن مسخركن لنا أَى ذى تسخيركن لنا، وكأَنه قال: كيف تطمئنون إلى وأَنا أَول عاص، ومعنى أشركتمونيه جعلتمونى شريكه، ونكتة التعبير بذكر الإِشراك التلويح إِلى وصف، أَى بالمعبود الذى لا معبود بحق سواه.