الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ مَّثَلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ ٱشْتَدَّتْ بِهِ ٱلرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَىٰ شَيْءٍ ذٰلِكَ هُوَ ٱلضَّلاَلُ ٱلْبَعِيدُ }

{ مَثًلُ الَّذِينَ كفَرُوا بِربِّهِمْ } أَي صفتهم، استعير لها لفظ مثل الموضوع، شبه مضربه بمورده لجامع الغرابة، وخبره محذوف، أَي فيما يتلى عليكم بيان مثل الذين كفروا كقول سيبويه: فيما يتلى عليكم حكم الزانية والزانى، وحكم السارق والسارقة، وكأَنه قيل: كيف شبه مثلهم؟ فقال: { أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشتّدَّتْ بِهِ الرِّيحُ في يَوْمٍ عَاصِفٍ } أَو أَعمالهم بدل اشتمال من مثل. ومثل مبتدأٌ خبره كرماد، أَو خبره فيما يتلى عليكم، وأَعمال بدله، أَو مبتدأُ خبره أَعمالهم كرماد، والرابط كونه نفس المبتدإِ في المعنى، وقال الكسائِى: مثل زائدِ فكأَنه جعل أَعمالهم مبتدأ خبره كرماد، والأَصل عدم الزيادة، ولا سيما زيادة الاسم. ومعنى اشتدت به الرياح، واليوم العاصف شديد الريح، وإِسناد العصف إِلى الريح مجاز عقلى؛ لأَن العصف بمعنى الهبوب الشديد وأُسند إِلى زمانه، أَو يقدر مضاف أَى عاصف ريحه، والمراد أَعمالهم الحسنة كالصدقة وإِغاثة الملهوف والعتق وصلة الرحم، فإِنهم لا يثابون عليها لشركهم فهي ذاهبة كذهاب الرماد بالريح الشديدة، وأَعمالهم عبادة الأَصنام وما أَنفقوا لها أَو ذلك كله { لاَ يَقْدِرُونَ } يوم القيامة { مِمَّا كَسَبُوا عَلى شىءٍ } سوى الحسرة والعذاب لا يستفيدون بها مثيباً ولا يدفعون بها عقاباً، أَو تخفيفاً فيه. وهذا زيادة إِيضاح وفذلكة للتشبيه بالمراد الذي اشتدت به الرياح يذهب كله، وإِن بقي بعضه، فكما أُثيبوا في الدينا بعملهم سواء عملوا لله، أَو للأَصنام، إِلا أَن ما عملوا للأَصنام لا يثابون عليه في الدنيا ولا في الآخرة بل يعاقبون عليه، ومما كسبوا حال من شيءٍ ولتوسعهم في الظروف قدم على صاحبه المجرور. وقدم مما كسبوا هنا، لأَن المقام مقام لأَن يذكر أَن أَعمالهم كلها كرماد، وأُخر في آية أُخرى مراعاة لبيان أَن شيئاً ما منها لا ينفعهم، والله الموفق { ذَلِكَ } ما ذكر من أَعمالهم أَو اعتقاد نفعها { هُوَ الضَّلاَلُ الْبَعِيدُ } ومعلوم أَنها ضلال فيجوز أَن يقدر ذلك الضلال هو الضلال البعيد، إذ خلطوا وظنوا أَنهم على الطريق الموصلة، فيبعد أَن يتركوه، بل يدعون إِليه، ويخطئُون من خالفهم.