الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُوْلَـٰئِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ ٱلأَغْلاَلُ فِيۤ أَعْنَاقِهِمْ وَأُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدونَ }

{ وَإِنْ تَعْجَبْ } من كفرهم وإنكار البعث مع وضوح الحجة، والعجب حالة انفعالية تعرض للنفس عند إدراك ما لا يعرف سببه، أَو تغيير النفس برؤْية خلاف المعتاد أو الاستعظام، وذلك كله محال فى حق الله عز وجل - إِلآ إِن أَريد مطلق العظمة { فَعَجَبٌ } عندك { قَوْلُهُمْ } أَى وقع تعجبك فى محله، أَو إِن تعده عظيماً فهو عظيم عندى وعندك، والمتعجب منه واحد وهو قوله: { أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً أَإِنَّا لَفِى خَلقٍ جدِيدٍ } والذى تعجب صلى الله عيله وسلم منه وعظمه الله هو نفى كونهم فى خلق جديد بالبعث.. ومقتضى الظاهر، وإن تعجب من حالهم فهو عجيب ولكن أَظهره تأَكيدا فى إِظهار قبحه والنعى عليهم بأَن القادر على الخلق الأَول قادر على الجديدة، أَو المعنى إِن تحقق عجبك فقد أَصبت، وهذه الإِصابة مرادة بقوله: فعجب إٍلخ، فأُقيمت العلة وهى قولهم مقام المعلول، وهو قوله فقد أَصبت، أو المعنى إِن تحقق عجبك فتعجبك كامل واقع موقعه، والتعجب أَو تحققه لا بد واقع من قولهم فكذلك هو معظم، فذلك تأكيد، أَو المعنى إِن يكن منك تعجب فليكن من قولهم: أَإِذا كنا إِلخ، أَو إِن تعجب يا من ينظر فى هذه الآيات فازدد تعجباً ممن ينكر الإِنشاءِ الجديد، وعجب خبر وقولهم مبتدأٌ وقدم للحصر وطريق الاهتمام فيتصور من ذلك معنى آخر هو إن تعجب من حالهم فما هو إلا عجب، وقوله: أَإِذا كنا إلخ مفعول به للقول على معنى المصدر أَو بدل مطابق على معنى مفعول، والاستفهام للإِنكار والتعجب من الإِمكان والوقوع، وإِذا متعلق بمحذوف أى أنبعث إذا كنا إلخ أو إذا كنا إلخ نبعث لا بكنا لأن المضاف إِليه لا يعمل فيما قبل المضاف إِلا على قول من يدعى أن مدخول إِذا غير مضاف إليه ولا بما تعلق به فى لأَن معمول خبر إن لا يتقدم عليها، ولا بخلق لأَنه من خبرها.

{ أُولَئِكَ } المنكرون للبعث أو لرسالته صلى الله عليه وسلم { الَّذِينَ كَفرُوا بِرّبِِّهِمْ } الكفر بقدرة الله على البعث أَو بصفة من صفاته كفر به كما قال فى منكر البعثأَكفرت بالذى خلقك من تراب } [الكهف: 37] ومنكر البعث ومنكر إمكانه كافران مشركان لأَنهما ردا على الله ما أثبت، والبعث فعل، والقدرة عليه صفة، ولا نسلم أَن إِعادة المعدوم بذاته مستحيلة إذ هى من جنس إيجاد المعدوم بلا وجود له قبل بل أسهل لبادى الرأْى وعند الله سواءٌ { وُأُولِئِكَ } الكفرة { الأَغْلاَلُ فِى أَعْنَاقِهِمْ } تثبت فى أَعناقهم، يقدر المضارع للاستقبال، أَو يقدر ثابتة للاستقبال؛ لأَن ذلك يوم القيامة، ويجوز تقديرهما للحال أَو للماضى المستمر تنزيلا للواجب منزلة الواقع، وإِن أَريد بالأَغلال الموانع عن الإيمان من دواعى النفس والشيطان والخذلان قدر ثبتت أو ثابتة للماضى، وجاز تقدير الحال، شبه الموانع بأَغلال الحديد على الاستعارة التصريحية، والأَغلال ترشيح أَو هيئة بهيئة على التمثيلية، بجامع عدم رجاءِ الخلاص والتمكن فى الهلاك، فإِن وجود تلك الموانع للقلب والحواس، وتسلطها عليها كوجود الأَغلال ووضعها فى الأًعناق يقادون بها ولا يمتنعون، أَو يربط أَيضاً الأَرجل والأَيدى ولا يجدون التصرف حيث شاءُوا { وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } لا ضمير فصل هنا لأن أولئِك أَصحاب النار جملة، وهم فيها خالدون جملة أَخرى فلا تهم.