الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَهُوَ ٱلَّذِي مَدَّ ٱلأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِىَ وَأَنْهَاراً وَمِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ يُغْشِى ٱلَّيلَ ٱلنَّهَارَ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } * { وَفِي ٱلأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَىٰ بِمَآءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِي ٱلأُكُلِ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }

{ وَهُوَ الَّذِى مَدَّ الأَرْضَ } بسطها لمصلحة العباد قال صلى الله عليه وسلم: " أَول بقعة وضعت من الأَرض موضع البيت ثم مدت منها الأَرض، وأَول جبل وضعه الله تعالى على وجه الأَرض أَبو قبيس ثم مدت منه الجبال " وليس المد مشعرا بالطول العظيم كما قيل وإنما الطول القصر من خارج، والآية دليل على أَن الأَرض بسيطة، وكذا قوله:والأَرض بعد ذلك دحاها } [النازعات: 30] ومثله ولا داعى أنها كرة وأن ما يظهر من بسطها إنما هو لعظمها حتى أن كل قطعة منها تشاهد سطحها، ودلائِل الفلاسفة فى ذلك كله مدخولة، ثم إن ظاهر قوله: { مد الأرض } أن الأَرض موجودة بلا مد ثم أَوقع عليها المد، ولا مانع من ذلك، وعلى أنها خلقت بسيطة من أَول الأَمر فالمعنى أَن البسط الذى فيها من أول وجودها فعل الله عز وجل - أَو خلقها بسيطة كضيق فم البئْر { وَجَعَلَ } خلق أَو وضع { فِيهَا رَوَاسِىَ } أَى جبالا ثوابت تمنعها من الحركة، والمفرد راس كقاض وجمع على فواعل مع أنه مذكر لأنه غير عاقل، قال الجار بردى: يجمع فاعل مذكر غير عاقل على فواعل قياسا مطردا، ومن خصه بالمؤنث قال جمع راسية أَى راسية مفرداً بتاءِ المبالغة فى الرسوخ { وَأَنْهَاراً } ينزل ماؤها من السماءِ كما ترى نقص ماءِ العيون بقلة المطر وكثرته لكثرته، ويكفى فى ذكرهما مع الجبال أَن فاعلهما واحد وهو الله - جل وعلا - والجامع خيالى كقوله تعالى:وإِلى الجبال كيف نصبت، وإِلى الأَرض كيف سطحت } [الغاشية: 19 - 20] وأَيضا الجامع التضاد فإِن العيون تسيل بالماءِ والجبال ثوابت، ولا حاجة إلى ما ذهب إليه بعض الحكماءِ من أَن الجبال لتركبها من أَحجار صلبة إِذا تصاعدت إليها الأَبخرة احتبست فيها فتكاملت فتنقلب مياهها إلى خارج عنها، وربما خرقتها فخرجت منها مع أَنه كلام فاسد سيحان وجيحان والفرات والنيل من الجنة كما رواه مسلم عن أَبى هريرة مرفوعا، والأَولان فى أرض الأَرمن، جيحان نهر المصيصة، وسيحان نهر أَدنة، وسيحون نهر الهند وهو أربعمائِة فرسخ ينصب فى بحر الحبشة، وسيحون نهر بلخ يجرى إلى خوارزم ويتفرق فى أماكن، وباقيه إلى البحر الذى عليه الجرجانية، وذكر بعض أَن الأَنهار مائة وستة وتسعون { وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ } من كل متعلق بمحذوف حال من زوجين، أو يجعل أَى وجعل فيها زوجين اثنين من كل الثمرات، والزوجان النوعان، أَو عطف على رواسى أَو أَنهارا، كأَنه قيل: وجعل أَنواعا من الثمرات، فيكون قوله: جعل فيها، مستأْنفا بعده، والزوج الفرد المقابل للآخر كذكر وأنثى، والنعلين، وفى الآية الحلو والحامض، والأَسود والأَبيض والأَصفر مع أًحدهما والآخر مع أحدهما ونحو ذلك، والحار والبارد واختلاف الروائح، والصغير والكبير، أو جعل فيها زوجين زوجين من أَنواع الثمرات حين مدها ثم تشعبت وتكاثرت وتنوعت، والقول بأَن الثمرات فى أَصلها صنف ثم تشعبت فصارت أَصنافا كثيرة بعيد، والوصف بالاثنين للتنبيه على أَن القصد إلى الأَفراد لا إِلى الماهية، والمراد أَقل ما يكون، وإلا فلا انحصار فى الاثنين كأَبيض حلو بارد كبير، وأسود مر حار صغير { يُغْشِى الَّليْلَ النَّهَارَ } يجعل الله الليل غاشيا النهار يستره بظلمته، والنهار أيضا غاشيا لليل يستره بنوره، وإنما لم نحمل الآية عليه لأن الأَنسب بالليل أن يكون هو الغاشى ولأَنه إذا لم يكن دليل على أن المقام مقام التأخير أَبقى على حاله، ولا دليل هنا على أَن الليل مفعول ثان والنهار مفعول أَول فاعل فى المعنى فضلا عن أَن يقال: المعنى يجعل الله النهار غاشيا الليل، أَو شبه النهار برجل ورمز إليه بِإِلباس اللباس فتكون الاستعارة مكنية، وهذه الآية تكونت بالسماءِ، ولكن الأَثر فى الأَرض بزوال الضوء وحلول الظلمة فجعلت فى آيات الأَرض، والمشهور أَن النهار زمان ظهور الشمس وانتشار الضوءِ، وقيل: الضوءُ والليل زمان غروبها، وقيل: نفس الظلمة، والغشى هنا التعرض كقوله:

السابقالتالي
2 3