الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ مَن رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ قُلِ ٱللَّهُ قُلْ أَفَٱتَّخَذْتُمْ مِّن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ لاَ يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً قُلْ هَلْ يَسْتَوِي ٱلأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي ٱلظُّلُمَاتُ وَٱلنُّورُ أَمْ جَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ ٱلْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ ٱللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ ٱلْوَاحِدُ ٱلْقَهَّارُ }

{ قُلْ } يا محمد لقومك { مَنْ رَّبُّ السَّماوَاتِ وَالأَرْضِ } مالكهما القائِم بوجودهما وإِبقائِهما وأَحوالهما { قُلْ اللهُ } الله ربهما،أَو ربهما الله لا يجدون جوابا غيره، أَجابوا به أَو سكتوا عنادا لظهوره فهو صلى الله عليه وسلم والخصم فى تقريره سواءٌ، أَو قل لهم ذلك تلقينا لأَن يقوله جاحد أَو ساكت عارف، والأَمر ظاهر حتى كأَنهم قالوا بعد السؤال فحكاه، وذلك تحريض لهم على الجواب، والاستفهام للتقرير { قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّنْ دُونِهِ } أَظهرت لكم دلائِل وحدانيته فاتخذتم بعد ظهورها، أَو الهمزة مما بعد الفاءِ، والاستفهام إِنكار للياقة الاتخاذ، فإِنه منكر بعيد عن العقل { أَوْلِيَاءَ } آلهة تتولونها بالعبادة والدعاءِ، أَو تتولى نصركم على زعمكم وتنفعكم وتشفع لكم فى نظركم الخاسر { لاَ يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ نَفْعا وَلاَ ضَرَّا } فكيف تطمعون أَن تنفعكم بنصر أَو رزق أَو شفاعة، وصيغة الذكور العقلاءَ لأَنهم يعتقدون فيها ما يعتقد فى الذكر العاقل { قُلْ هَلْ يَسْتَوِى } فى التعظيم { الأَعْمَى } أَى الجاهل فإِنه فى وقوعه فى المضار كفاقد بصر لم يتبع بصيراً { وَالْبَصِيرُ } العالم بمصالحه لا يستويان، بل لاحظ فى التعظيم للجاهل، فكذلك الجاهل بالتوحيد والعبادة والعالم به المعتقد له العامل، أَو لا تستوى الأَصنام الغافلة عمن يعبدها ولا إِدراك لها، والعالم بكل شىءٍ المستحق للعبادة، أَو الأَعمى المشرك والبصير الموحد، أَو ذلك تمثيل أَو استعارة، ومرادنا بالغفلة عدم الشعور، فصح إِسنادها إِلى غير الحيى، وإِِنما لم تعطف هذه الجملة لأَنها استئْناف بيانى كأَنه صلى الله عليه وسلم: قال: أَى شىءٍ أَقول فى تصوير اتخاذهم القبيح بالصورة المحسوسة فقال: قل هل يستوى الأَعمى والبصير { أَمْ هَلْ تَسْتَوِى الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ } لا يستويان، فإِن من فى الظلمات لا يهتدى لمصالحه، ولا ينجو من الهلاك بخلاف من فى النور فكذلك الجاهل والمشرك يهلكان، والموحد المطيع ينجو ويفوز، وجمع الظلمة لكثرة أَنواع الشرك كاليهودية والنصرانية والصابئة والمجوسية والوثنية والثنوية والدهرية، وأَنواع الفسق بخلاف التوحيد والعمل بمقتضاه، ووجود هل بعد أَم هنا دليل على أَن أَم منقطعة تقدر بلفظ بل لا ببل وإِلا اجتمع هنا هل والهمزة الاستفهاميتان، وقد يجاب بأَن هل هنا بمعنى قد كما قال به بعض فى قوله تعالى:هل أَتى على الإِنسان } [الإنسان: 1] وقد يقال: إِنها تقدر ببل والهمزة إِذا لم تكن هل { أَمْ جَعَلُوا لِلّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ } بل أَجعلوا لله شركاءَ فى الأَلوهية وإيجاد المعدومات فالتبس عنهم ما خلق الله وما خلق شركاؤهم ولم يتميز واحد من آخر كما قال { فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَليْهِمْ } فعبدوها والله لم يكن ذاك ولم يتوهموه لأَنهم أَقروا أَن آلهتهم لا تخلق شيئاً، وأَن الخالق الله وحده - عز وجل - فكيف يعبدونها معه، وهى لا تتصف بصفاته ولا تفعل أَفعاله، بل لا تفعل أَفعال الحيوانات، والاستفهام فى هذه المواضع للإِنكار { قُلِ اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَىْءٍ } الجواهر والأَعراض لا شىءَ سواه يخلق كما يخلق فيعبد كما يعبد لا ثانى له فى الخالقية والأُلوهية { وَهُوَ الْوَاحِدُ } فى ذاته وأَفعاله وصفاته، فهو المتوحد بأَن يعبد { الْقَهَّارُ } لعباده فى غير أَفعالهم التى يختارونها واكتسبوها، والجملة من كلام الله، أَو من مقول القول.