الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَٰأَسَفَىٰ عَلَى يُوسُفَ وَٱبْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ ٱلْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ }

{ وَتَوَلَّى } أَعرض { عَنْهُمْ } لأَنه لم ير منهم ما يسره فى شأْن يوسف وأَخيه أَو أَخويه، وترك خطابهم إِذ لا يفيده { وَقَالَ } إذا بلغ جهده بيوسف { يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ } يا حزنى الشديد احضر فهذا أَوانك هذا ظاهر اللفظ، والمراد الكناية عن التحسر فإنه معلوم أَن غير الحيوان لا ينادى فنداؤه استعارة مكنية هيج حزنه على يوسف بحدوث موجب للحزن آخر كان يتسلى بعض تسل عنه ببنيامين، إِذ كانا من أُم ولما غاب عنه زاد حزنه، وكان حبه يوسف أَعظم من حبه بنيامين، وهو القاعدة فى حزنه غض طرى ولو قدم، وأَيضا هو واثق بحياة روبيل وبنيامين دون يوسف، وهذا قبل أَن يقول له عزرائِيل: إِن يوسف حى أَو بعده وخاف أَنه مات، وأَلف أَسفى ضمير جر للمتكلم، قلبت الياءُ ولو ساكنة أَلفا بعد فتحه لا يشترط تحركها للقلب لأَن ذلك شرط فى الياءِ التى هى حرف من الكلمة لا فى ياء المتكلم فلا تهم، وقيل الأَلف للندبة وهاؤها مقدرة، وذلك شكوى إِلى الله لا إِلى غيره ولا جزع كأَنه قال: يا أَرحم الراحمين اشتد حزنى. روى الطبرانى وابن مردويه والبيهقى عن سعيد بن جبير عنه صلى الله عليه وسلم: " لم تعط أُمة من الأُمم إِنا لله وإِنا إِليه راجعون عند المصيبة إِلا أُمة محمد صلى الله عليه وسلم " أَلا ترى إِلى قول يعقوب حين أَصابه ما أَصابه لم يسترجع وقال يا أَسفى، وفيه مع لفظ يوسف تجنيس { وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ } لكثرة بكائِه، فالحزن سبب بعيد لبياض العين، وكثرة البكاءِ سبب قريب فأُقيم سبب مقام السبب تنبيها على كمال السببية البعيدة كأَنه محق الدموع سواد عينيه لاستمراره ولا ضعف لبصره، وهذا هو الراجح فيما قيل ولا يعارضه: فارتد بصيرا فإِن معناه زوال تلكَ الدموع التى صار بها كالأَعمى، وقيل: زال نظره وعمى كما هو ظاهر قوله:فارتد بصيرا } [يوسف: 96] ولا مانع من حدوث العمى أو الجذام، ونحو ذلك للأَنبياءِ بعد التبليغ بالحجج والمعجزات، وقيل ضعف بصره تحقيقا ثم ارتد بصيرا كامل البصر، ويروى فارق يوسف يعقوب ثمانين سنة ودموعه تجرى فيها حتى ذهب بصره وما على ظهر الأَرض يومئِذ أَكرم على الله تعالى منه، ويروى أَن جبريل دخل على يوسف فى السجن فقال: هل لك علم بيعقوب وحاله؟ فقال: ابيضت عيناه من الحزن عليك، حزن سبعين مثكلة وله على ذلك أَجر مائَة شهيد { فهُوَ كظِيمٌ } مكظوم مملوءٌ من الهم كقربة مملوءَة شد على فيها لم يزله أَو بعضه بالشكوى إِلى الخلق أَو بالجزع ففى ذلك استعارة مكنية شبه بالقربة ورمز إِليها بلازمها وهو الكظم ولو يمنعه ذلك عن ذكر الله وعبادته ومناجاته وانشراح صدره، أَو هو بمعنى كاظم أًى شاد على نفسه من أًن تجزع أو تشكو لغير الله - جل وعلا - فيجوز أَن يكون من كظم البعير جرته إِذا ردها إِلى بطنه فذلك استعارة مكنية أَيضاً، والتأسف والحزن والبكاءُ غير حرام ما لم يكن جزع وصياح ونياحة ولطم الخد والصدر وشق الجيب، وربما لم يدخل تحت التكليف، ولما مات ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم إِبراهيم بكى وقال:

السابقالتالي
2