الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالُوۤاْ إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ }

{ قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ } الصواع { فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ } وذلك منهم فجور رضى الله عنهم زلوا به وليسوا بأَنبياءَ فى الحال، ولا قبل ولا بعد، والأَخ هو يوسف وهو بنيامين أُمهما واحدة هى راعيل من شأْنهما السرقة، ولسنا نحن من أُمهما فلم نأْخذ طريقتهم فى السرقة، وقالوا إِن يسرق بلفظ الشك لعدم تحقق سرقته عندهم باستخراج الصواع من رحله، ولا ينافى هذا قولهم: إِن ابنك سوق باعتبار ما قيل، وبمجرد وجود الصاع فى رحله، والمضارع لحكاية الحال الماضية فإِن مقتضى الظاهر أَن يقولوا: إِن سرق فقد سرق أَخ له من قبل، صنماً أَو تمثالا من ذهب من أَى أُمه سرقه فكسره وأَلقاه فى الطريق أَو الجيف، أَو تمثالا من الكنيسة فكسره وأَلقاه فى ذلك أو أعطاه سائلا، وقيل دجاجة أَو عناقاً، أَو أَخذ بيضة من البيت فأَعطاها السائل، أَو خبأَ الطعام من المائدة ليعطيه الفقراءَ، أَو حاضنته بعد موت أُمه عمته وأَحبته، واحتالت فى أَن شدت على وسطه منطقة إسحاق وكانوا يتوارثونها بالكبر، وهى أَكبر أَولاده فتفقدتها فوجدها على يوسف، وقال لها أَبوه إن كان ذلك فخذيه والسارق فى دينهم عبد لصاحب المال، وكان لا يقدر على مفارقته ساعة، أَو أَرادوا بالأَخ مطلق أَحد من بنى آدم، ولا ينافيه قوله تعالى: { فأَسرها } لأَن يوسف يظن أَنهم عنوه بالأَخ وهم لم يعنوه { فَأَسَرَّهَا } أَسر السرقة { يُوسُفُ فِى نَفْسِهِ } والمنسوبة إليه لم يذكرها، ولم يعاتبهم على نسبتها إليه أَو أَسر الحزازة أَو أَسر الإجابة أَو الكلمة وهى أعم من الإجابة لصلاح أَن يتكلم بدون أَن يكون كلامه جواباً لهم، ولا إشكال فى الإِجابة لأَنها حضرت فى قلبه ولم يصرح بها كما لا إِشكال فى الكلمة لأَنه حضرت فى قلبه، ولم ينطق بها، أَو أَسر نسبة السرقة إليه، وقد لا ينافيه قوله { أَنتم شر مكانا } لأَنه ولو كان إِظهارا لكن ليس فيه تصريح بأَن نسبتكم السرقة إِلى بهتان أَو أَسر الحجة عليهم أَو أَسر ما يفسره قوله: { قال أَنتم شر } إِلخ، فإِن فى قلبه قولا أَسره وهو أَنه قال فى قلبه أنتم شر مكانا، أَى أَسر القولة التى فى قلبه ولم ينطق بها وهى قوله فيه أنتم شر إلخ، وأكد ذلك بقوله: { وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ } أَى لم يظهرها لهم، وأَبدل منه بدلا مطابقاً قوله: { قَالَ } فى قلبه أَو بلسانه بعد أَن قال فى قلبه { أَنْتُمْ شَرُّ مَكاناً وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ } سمى ذلك كله كلمة لجواز إطلاقها على الجمل، والمعنى أنتم قبيحون منزلة عند الله، فشر خارج عن التفضيل ويجوز بقاؤه أَى أَنتم شر مكاناً ممن رميتموه بالسرقة لو صحت لأَنهم عقوا أَباهم وأَخاهم بالتفريق والإِلقاءِ فى الجب والبيع والبهت والكذب والحسد والله أَعلم بما تصفونه فى حقى، أَو بوصفهم إياى، وأعلم بمعنى عليم أَو باق على التفضيل على أَن لهم علماً فى السرقة غير محقق مثل أن يسمعوا عمتهم أَو غيرها تقول سرق، والله يعلم أَن الأَمر ليس كما تقولون.